ثم اجتمعوا في منزل زفر بن حصين الطائي، فقالوا: إن الله أخذ عهودنا ومواثيقنا على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والقول بالحق، والجهاد في تقويم السبيل، وقد قال عز وجل لنبيه عليه الصلاة والسلام: " يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض، فاحكم بين الناس بالحق، ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله، إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد " -. " وقال: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " - فاشهدوا على أهل دعوتنا أن قد اتبعوا الهوى، ونبذوا حكم القرآن، وجاروا في الحكم والعمل، وأن جهادهم على المؤمنين فرض، وأقسم بالذي تعنو له الوجوه، وتخشع دونه الأبصار، ولو لم يكن أحد على تغيير المنكر، وقتال القاسطين مساعدا، لقاتلتهم وحدي فردا، حتى ألقى الله ربي، فيرى أني قد غيرت (1) إرادة رضوانه بلساني، يا إخواننا، اضربوا جباههم ووجوههم بالسيف، حتى يطاع الرحمن عز وجل، فإن يطع الله كما أردتم أثابكم ثواب المطيعين له، الآمرين بأمره، وإن قتلتم فأي شئ أعظم من المسير إلى رضوان الله وجنته. وأعلموا أن هؤلاء القوم خرجوا لإقصاء حكم الضلالة، فاخرجوا بنا إلى بلد نتعد (2) فيه الاجتماع من مكاننا هذا، فإنكم قد أصبحتم بنعمة ربكم، وأنتم أهل الحق بين الخلق، إذ قلتم بالحق، وصممتم لقول الصدق، فاخرجوا بنا إلى المدائن نسكنها فتأخذ بأبوابها، ونخرج منها سكانها، ونبعث إلى إخواننا من أهل البصرة، فيقدمون علينا.
فقال زيد بن حصين الطائي: إن المدائن بها قوم يمنعونكم منها، ويمنعونها منكم، ولكن اكتبوا إلى إخوانكم من أهل البصرة، فأعلموهم بخروجكم، وسيروا أنتم على المدائن، فانزلوا بجسر النهروان (3) قالوا: هذا هو الرأي فاجتمعوا على ذلك، وكتبوا إلى إخوانهم من أهل البصرة: أما بعد، فإن أهل دعوتنا حكموا الرجال في أمر الله، ورضوا بحكم القاسطين على عباده، فخالفناهم ونابذناهم، نريد بذلك الوسيلة إلى الله، وقد قعدنا بجسر النهروان واحببنا إعلامكم لتأخذوا بنصيبكم من الأجر، والسلام.
الجواب فكتبوا إليهم: أما بعد، فقد بلغنا كتابكم، وفهمنا ما ذكرتم. وقد وهبنا لكم الرأي الذي جمعكم الله عليه من الطاعة، وإخلاص الحكم لله، وأعمالكم أنفسكم فيما يجمع الله به كلمتكم، وقد أجمعنا على المسير إليكم عاجلا.