وخسرت، وما أنا من المهتدين، فأغضبت بقولك وفعلك علي عليا ومعاوية، ثم أعظم من ذلك خديعة عمرو إياك، وأنت حامل القرآن، ووافد أهل اليمن إلى نبي الله، وصاحب مغانم أبي بكر وعمر، فقدمك عمرو للقول مخادعا، حتى خلعت عليا قبل أن تخلع معاوية، ولعمري ما يجوز لك على علي ما جاز لعمرو على معاوية، ولا ما جاز لنا عليه، ولقد كرهنا ما رضيت وأردت، إن الحاكم هو من يحكم بما حكم الله بين الناس، ولم تبلغ من خطيئتك عنه ما غير أمرك في خلاف هواه.
فلما أتى أبا موسى كتاب ابن عمر كتب إليه: أما بعد، فإني والله ما أردت بتوليتي إياك وبيعتي لك القربة إليك، ما أردت بذلك إلا الله عز وجل، وما تقلدي أمر هذه الأمة غير مستكره، فإنهم كانوا على مثل حد السيف، فقلت: إلى سنة محيا وممات، إن يصطلحوا فهو الذي أردت، وإلا لم يرجعوا إلى أعظم مما كانوا عليه، وأما إغضابي عليك عليا ومعاوية، فقد غضبا عليك قبل ذلك، وأما خديعة عمرو إياي، فوالله ما ضر بخديعته عليا، ولا نفع معاوية، وقد كان الشرط ما اجتمعنا عليه، لا ما اختلفنا فيه، وأما نهي أبيك، فوالله لو تم الأمر لأكرهت عليه.
كتاب معاوية إلى أبي موسى قال: وذكروا أن معاوية كتب إلى أبي موسى بعد الحكومة وهو بمكة: أما بعد، فأكره من أهل العراق ما كرهوا منك، وأقبل إلى الشام، فإني خير لك من علي، والسلام.
جوابه فكتب إليه أبو موسى: أما بعد، فإنه لم يكن مني في علي إلا ما كان من عمرو فيك، غير أني أردت بما صنعت وجه الله، وأراد عمرو بما صنع ما عندك، وقد كان بيني وبينه شروط عن تراض، فلما رجع عمرو رجعت، وأما قولك: إن الحكمين إذا حكما على أمر فليس للمحكوم عليه أن يكون بالخيار، إنما ذاك في الشاة والبعير، وأما في أمر هذه الأمة فليست تساق إلى ما تكره، ولن تذهب بين عجز عاجز، ولا كيد كائد، ولا خديعة فاجر، وأما دعاؤك إياي إلى الشام، فليس لي بدل ولا إيثار عن قبر ابن إبراهيم أبي الأنبياء.