خندقهم. فقال مروان: عليه رجال لا يسلمونه، ولكن عندي فيه وجه سأخبرك به. قال:
هاته. فقال: اطوه ودعه حتى يحضر ذلك. قال: فدعه إذا. ثم قال لهم مسلم: تريدون أن تسيروا إلى أمير المؤمنين، أو تقيموا موضعكم هذا، أو تسيروا معنا؟ فقال بعضهم: نسير إلى أمير المؤمنين، ونحدث به عهدا، فقال مروان: أما أنا فراجع. فقال بعضهم لبعض: قد حلفنا لهم عند المنبر لئن استطعنا أن نرد الجيش عنهم لنردنه فكيف بالرجوع إليهم. فقال مروان: أما أنا فراجع إليه. فقال له قوم: ما نرى أن تفعل، تقتلون بهؤلاء أنفسكم، والله لا أكثرنا عليهم لمسلم جمعا أبدا. فقال مروان: أنا والله ماض مع مسلم إلى المدينة، فمدرك ثأري من عدوي، وممن أخرجني من بيتي، وفرق بيني وبين أهلي، وإن قتلت بهم نفسي، فلم يرجع مع مسلم من بني أمية غير مروان وابنه عبد الملك، وكان مجدورا فجعله بذي خشب.
فلما أيقن أهل المدينة بقدوم الجيوش إليهم تشاوروا في الخندق وقالوا قد خندق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخندقوا المدينة من كل نواحيها. ثم جمع عبد الله بن حنظلة أهل المدينة عند المنبر، فقال: تبايعوني على الموت وإلا فلا حاجة في بيعتكم. فبايعوه على الموت، ثم صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إنما خرجتم غضبا لدينكم، فأبلوا إلى الله بلاء حسنا ليوجب لكم به الجنة ومغفرته، ويحل بكم رضوانه، واستعدوا بأحسن عدتكم، وتأهبوا بأكمل أهبتكم، فقد أخبرت أن القوم قد نزلوا بذي خشب، ومعهم مروان بن الحكم، والله إن شاء مهلكه بنقضه العهد والميثاق عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتصايح الناس، وجعلوا ينالون منه ويسبونه. فقال لهم: إن الشتم ليس بشئ، ولكن نصدقهم اللقاء، والله ما صدق قوم قط إلا نصروا، ثم رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم إنا بك واثقون، وعليك متوكلون، وإليك ألجأنا ظهورنا ثم نزل. وكان عبد الله بن حنظلة لا يبيت إلا في المسجد الشريف، وكان لا يزيد على شربة من سويق يفطر عليها إلى مثلها من الغد.
قدوم الجيوش إلى المدينة قال: وذكروا أن أهل الشام لما انتهوا إلى المدينة عسكروا بالجرف (1)، ومشوا رجالا من رجالهم، فأحدقوا بالمدينة من كل ناحية لا يجدون مدخلا، لأنهم قد خندقوها عليهم، والناس متلبسون السلاح، قد قاموا على أفواه الخنادق، وقد حرصوا أن لا يتكلم منهم متكلم، وجعل