ما أجمع عليه أهل المدينة ورأوه من إخراج بني أمية قال: وذكروا أنه لما قرئ الكتاب، تكلم عبد الله بن مطيع ورجال معه كلاما قبيحا، فلما استبان لهم أن يزيد باعث الجيوش إليهم، أجمعوا على خلافهم، واختلفوا في الرياسة أيهم يقوم بهذا الأمر. فقال قائل: ابن مطيع، وقال قائل: إبراهيم بن نعيم، ثم اجتمع رأيهم أن يقوم بأمرهم ابن حنظلة، وهرب عثمان بن محمد منهم ليلا فلحق بالشام، ثم أخذوا مروان ابن الحكم وكبراء بني أمية، فأخرجوهم عن المدينة، فقالوا: الشقة بعيدة، ولا بد لنا مما يصلحنا، ولنا عيال وصبية، ونحن نريد الشام. قال: فاستنظروا عشرة أيام، فانظروا. ثم اجتمع رأي أهل المدينة أن يحلفوا كبراء بني أمية عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن لقوا جيش يزيد ليردونهم عنهم إن استطاعوا، فإن لم يستطيعوا مضوا إلى الشام ولم يرجعوا معهم، فحلفوا لهم على ذلك، وشرطوا عليهم أن يقيموا بذي خشب (1) عشرة أيام، فخرجوا من المدينة، وتبعهم الصبيان، وسفهاء الناس يرمونهم بالحجارة، حتى انتهوا إلى ذي خشب، ولم يتحرك أحد من آل عثمان بن محمد، ولم يخرج من المدينة، فلما رأت بنو أمية ما صنع بهم أهل المدينة من إخراجهم منها، اجتمعوا إلى مروان، فقالوا: يا أبا عبد الملك ما الرأي؟ قال: من قدر منكم أن يغيب حريمه فليفعل، فإنما الخوف على الحرمة، فغيبوا حرمهم، فأتى مروان عبد الله بن عمر، فقال: يا أبا عبد الرحمن، بلغني أنك تريد الخروج إلى مكة، وتغيب عن هذا الأمر، فأحب أن أوجه عيالي معك. فقال ابن عمر: إني لا أقدر على مصاحبة النساء. قال: فتجعلهم في منزلك مع حرمك قال لا آمن أن يدخل على حريمي من أجل مكانكم. فكلم مروان علي بن الحسين، فقال: نعم، فضمهم علي إليه، وبعث بهم مع عياله. قال: ثم ارتحل القوم من ذي خشب على أقبح إخراج يكون، وإسراع خوفا منهم أن يبدو للقوم في حبسهم، وجعل مروان يقول لابنه عبد الملك: يا بني إن هؤلاء القوم لم يدروا ولم يستشيروا، فقال ابنه: وكيف ذلك؟ قال: إذ لم يقتلونا أو يحبسونا، فإن بعثوا إلينا بعثا كنا في أيديهم: وما أخوفني أن يفطنوا لهذا الأمر فيبعثوا في طلبنا فالوحي الوحي (2) والنجاء النجاء.
(١٧٨)