وأنا وإياك في غاية لم نبلغها بعد، وأما طلبك إلي الشام، فإني لم أكن أعطيك اليوم ما منعتك أمس، وأما استواؤنا في الخوف والرجاء، فإنك لست أمضى على الشك مني على اليقين، وليس أهل الشام بأحرص من أهل العراق على الآخرة، وأما قولك: إنا بنو عبد مناف فكذلك، ولكن ليس أمية كهاشم، ولا حرب كعبد المطلب، ولا أبو سفيان كأبي طالب ولا المهاجر كالطليق، ولا المحق كالمبطل، وفي أيدينا فضل النبوة التي قتلنا بها العزيز، وبعنا بها الحر، والسلام. فلما أتى معاوية الكتاب أقرأه عمرا، فشمت به عمرو، ولم يكن أحد أشد تعظيما لعلي من عمرو بن العاص بعد يوم مبارزته، فقال معاوية لعمرو: قد علمت أن إعظامك لعلي لما فضحك، قال عمرو لم يفتضح امرؤ بارز عليا، وإنما افتضح من دعاه إلى البراز فلم يجبه.
اختلاف أهل العراق في الموادعة قال: وذكروا أنه لما عظم الأمر، واستحر القتال، قال له رأس من أهل العراق: إن هذه الحرب قد أكلتنا، وأذهبت الرجال، والرأي الموادعة. وقال بعضهم: لا بل نقاتلهم اليوم على ما قاتلناهم عليه أمس، وكانت الجماعة قد رضيت الموادعة، وجنحت إلى الصلح والمسالمة. فقام علي خطيبا فقال: أيها الناس، إني لم أزل من أمري على ما أحب حتى قدحتكم الحرب، وقد والله أخذت منكم وتركت، وهي لعدوكم أنهك. وقد كنت بالأمس أميرا، فأصحبت اليوم مأمورا، وكنت ناهيا فأصبحت اليوم منهيا، فليس لي أن أحملكم على ما تكرهون.
ما رد كردوس بن هانئ على علي قال وذكروا أن كردوس بن هانئ قام فقال: أيها الناس، إنه والله ما تولينا معاوية منذ تبرأنا منه، ولا تبرأنا من علي منذ توليناه، وإن قتيلنا لشهيد، وإن حينا لفائز، وإن عليا على بينة من ربه، وما أجاب القوم إلا إنصافا، وكل محق منصف، فمن سلم له نجا، ومن خالفه هوى.
ما قال سفيان بن ثور قال: وذكروا أن سفيان بن ثور قال: أيها الناس إنا دعونا أهل الشام إلى كتاب الله، فردوه علينا، فقاتلناهم، وإنهم دعونا إلى كتاب الله، فإن رددناه عليهم، حل لهم منا ما حل لنا منهم، ولسنا نخاف أن يحيف الله علينا ورسوله، وإن عليا ليس بالراجع الناكص، وهو اليوم على ما كان عليه أمس، وقد أكلتنا هذه الحرب، ولا نرى البقاء إلا في الموادعة.