الحق، ولكني أزعم أن جميع ما تحت يدي لي، فما أعطيت فقربة إلى الله، وما أمسكت فلا جناح علي فيه فأغضب كلامه عقيلا لما سمعه ينتقص أخاه، فقال صدقت خرجت من عند أخي علي هذا القول: وقد عرفت من في عسكره، لم أفقد والله رجلا من المهاجرين والأنصار، ولا والله ما رأيت في عسكر معاوية رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. فقال معاوية عند ذلك:
يا أهل الشام، أعظم الناس من قريش عليكم حقا ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم. وسيد قريش:
وها هو ذا تبرأ إلى الله مما عمل به أخوه. قال: وأمر له معاوية بثلاث مئة ألف دينار، قال له:
هذه مئة ألف تقضي بها ديونك، ومئة ألف تصل بها رحمك، ومئة ألف توسع بها على نفسك.
نعي عثمان بن عفان إلى معاوية قال عبد الله بن مسلم: وذكر ابن عفير، عن عون بن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري، قال: قدم الحجاج بن خزيمة الشام بكتاب معاوية: بعد قتل عثمان بأيام، فقال له: أتعرفني؟
قال: نعم. أنت الحجاج بن خزيمة.. فما وراءك؟ فقال الحجاج: أنا النذير العريان. أنعى إليك أمير المؤمنين عثمان. ثم قال: إني كنت ممن خرج معينا لعثمان مع يزيد بن أسد، فتقدمت إلى الربذة فلقينا بها رجلا حدثنا عن قتل عثمان، وزعم أنه ممن قتله. فقتلناه. وإني أخبرك يا معاوية أنك تقوى على علي بدون ما يقوى به عليك، لأن من معك لا يقولون إذا قلت.
ولا يسألون إذا أمرت، ولأن من مع علي يقولون إذا قال: ويسألون إذا أمر، فقليل ممن معك خير من كثير ممن معه. واعلم أن عليا لا يرضيه إلا الرضى، وإن رضاه يسخطك، ولست وعلي بالسواء، لا يرضى علي بالعراق دون الشام، ورضاؤك بالشام دون العراق.
قال: وذكروا أنه لما فرغ من وقعة الجمل بايع له القوم جميعا، وبايع له أهل العراق، واستقام له الأمر بها فكتب إلى معاوية: أما بعد، فإن القضاء السابق، والقدر النافذ، ينزل من السماء كقطر المطر، فتمضى أحكامه عز وجل، وتنفذ مشيئته بغير تحاب المخلوقين، ولا رضا الآدميين، وقد بلغك ما كان من قتل عثمان رحمه الله، وبيعة الناس عامة إياي، ومصارع الناكثين لي فادخل فيما دخل الناس فيه، وإلا فأنا الذي عرفت، وحولي من تعلمه، والسلام.
فلما قدم على معاوية كتاب علي مع الحجاج بن عدي الأنصاري، ألفاه وهو يخطب الناس بدمشق، فلما قرأه أغتم بذلك، وأسره عن أهل الشام، ثم قام الحجاج بن عدي خطيبا، فحمد الله وأثني عليه، ثم قال: يا أهل الشام، إن أمر عثمان أشكل على من حضره، المخبز عنه كالأعمى،