بيننا وبين محمد، وقد وفى لنا محمد وأحسن جوارنا. ثم نزل إليه من غرفته وقال له: من أنت؟ قال: حيي بن أخطب قد جئتك بعز الدهر! قال كعب: بل جئتني بذل الدهر! قال: يا كعب، هذه قريش في قادتها وسادتها قد نزلوا بالعقيق مع حلفائهم من كنانة، وهذه فزارة مع قادتها وسادتها قد نزلت الزغابة، وهذه سليم وغيرهم قد نزلوا حصن بني ذبيان، ولا يفلت محمد وأصحابه من هذا الجمع أبدا!
فافتح الباب وانقض العهد الذي بينك وبين محمد!
فقال كعب: لست بفاتح لك! ارجع من حيث جئت!
فقال حيي: ما يمنعك من فتح الباب إلا جشيشتك (1) التي في التنور تخاف أن أشركك فيها، فافتح، فإنك آمن من ذلك!
فقال له كعب: لعنك الله، قد دخلت علي من باب ضيق. افتحوا له، ففتحوا له الباب، فقال: يا كعب، انقض العهد الذي بينك وبين محمد ولا ترد رأيي، فإن محمدا لا يفلت من هذا الجمع أبدا، فإن فاتك هذا الوقت فلا تدرك مثله أبدا!
ثم اجتمع إليه كل من كان في الحصن من رؤسائهم مثل غزال بن شموأل، وباشي بن قيس، ورفاعة بن زيد، والزبير بن باطا. فقال لهم كعب: ما ترون؟
قالوا: أنت سيدنا والمطاع فينا وأنت صاحب عهدنا، فإن نقضت نقضنا وإن أقمت أقمنا معك، وإن خرجت خرجنا معك.
وكان الزبير بن باطا شيخا مجربا كبيرا قد ذهب بصره فقال: قد قرأت التوراة التي أنزلها الله في سفرنا بأنه يبعث نبيا في آخر الزمان، يكون مخرجه بمكة ومهاجرته بالمدينة إلى البحيرة، يركب الحمار العاري ويلبس الشملة، ويجتزئ بالكسيرات والتميرات، وهو الضحوك القتال، في عينيه حمرة، وبين كتفيه خاتم النبوة، يضع سيفه على عاتقه لا يبالي من لاقاه يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر.