فصاهره الشرع وخا لله وقال بعض صعلوك لا مال له نرفع درجات من نشاء فصل.
أ تنتهب الأيام أفلاذ احمد * وأفلاذ من عاداهم تتودد ويضحى ويظمى احمد وبناته * وبنت زياد ودها لا يصود في دينه في أمنه في بلاده * تضيق عليهم فسحة تتورد وما الدين الا دين جدهم الذي * به أصدروا في العالمين وأوردوا هذا بعض ما أورده صاحب نفح الطيب من كتاب درر السمط وقال إنه لم يورد غيره لان في الباقي ما تشم منه رائحة التشيع.
ولا يخفى ان رائحة التشيع العطرية ونفحاته المسكية مشمومة مما أورده أيضا لظهوره في اخلاصه في حب أهل البيت الطاهر واعترافه بفضلهم الباهر الذي قلما يطيق كثير من الألسن ذكره أو تستطيع نشره ولا شك ان ما تركه تحرجا وتأثلما حتى كأنه من الموبوقات رائحة التشيع العطرية منه فائحة، وبعض المخلوقات لا يستطيع شم طيب الرائحة، فتشيع ابن الابار ظاهر على رغم ما في رسالته السابقة إلى ابن المطرف من قوله من معاداة الشيعة وموالاة الشريعة إذ انه كلام لا يخلو من اجمال موجب لتطرق الاحتمال بشاهد الحال وغيره في الدلالة على تشيع الرجل أوضح وأصرح.
وهناك رجل يعرف بابن الابار وهو أبو جعفر أحمد بن محمد الخولاني شاعر أمير إشبيلية توفي عام 433 وله كما في كشف الظنون غير ديوانه أربعة مؤلفات تنسب عادة إلى صاحب الترجمة والظاهر أن المعروف بابن الابار هو المترجم هذا.
وقال محمد عبد الله عنان:
يعتبر من أعظم شخصيات التاريخ الأندلسي، في تلك المرحلة القاتمة من مراحله، مرحلة التفكك والانهيار والسقوط.
ونحن لا نقصد في هذا المقال، أن نقدم ترجمة كاملة لحياة ابن الابار، ولا ان نتحدث عنه كفقيه راسخ، أو كاتب بلغ ذروة البيان، أو شاعر مبدع مبك، أو مؤرخ محقق، ما زالت آثاره وتراجمه، أهم وأوثق مصادرنا عن حوادث عصره، ورجالات عصره، ولكنا نريد فقط ان نقدم بعض صفحات عن حياته السياسية والدبلوماسية، التي اقترنت بأهم حوادث عصره، والتي جعلت منه شخصية تاريخية بارزة، تفوق في أهميتها، وفي الأدوار التي قامت بها، شخصيات امراء هذا العصر وسادته.
ويكفي ان نقول في نشاة ابن الأبار، انه ولد بثغر بلنسية، أعظم وأجمل حواضر شرقي الأندلس، في سنة 595 ه 1199 م، في بيت علم ونبل. واصلهم من أندة الواقعة على مقربة من غربي بلنسية، والتي ستنتسب إليها كثير من أكابر العلماء. ودرس ابن الأبار الحديث والفقه، على أقطاب عصره، وفي مقدمتهم أبوه عبد الله، وبرع في اللغة والأدب، وشغف بالأخبار والسير، ثم رحل في مطلع شبابه إلى غربي الأندلس فزار قرطبة، ثم إشبيلية، وهو يأخذ أينما حل عن أساتذة العصر. ولما توفي أبوه في سنة 619 ه، كان هو ما يزال بغربي الأندلس، في مدينة بطيوس، عاكفا على دراساته، فعاد عندئذ إلى بلنسية، موطنه، ومثوى أسرته.
وكانت الحوادث في شرقي الأندلس، قد اخذت في هذا الوقت بالذات تؤذن بتطورات خطيرة. ونحن نعرف ان الأندلس كانت ما تزال حتى ذلك الوقت ولاية مغربية تحت حكم الخلافة الموحدية، ولكن الدولة الموحدية، كانت قد بدأت قبل ذلك بقليل، منذ موقعة العقاب المشؤومة سنة 609 ه 1212 م، التي سحقت فيها الجيوش الموحدية، على يد الجيوش الأسبانية المتحدة، تدخل في دور انحلالها، وبدأ سلطانها بالأندلس، يهتز تحت ضربات الحركات القومية المحلية، وكان شرقي الأندلس بالأخص مسرحا لموجة جديدة من الصراع بين القوى الوطنية، والسيادة الموحدية.
وكان والي بلنسية يومئذ هو السيد أبا عبد الله محمد بن يوسف بن عبد المؤمن.
ولدينا ما يدل على أن ابن الابار، عقب عودته من منطقة الغرب، قد تولى منصب الكتابة لهذا السيد. ولكن السيد أبا عبد الله توفي بعد ذلك بقليل في سنة 620 ه، وقام في ولاية بلنسية مكانه ولده السيد أبو زيد عبد الرحمن، فاستمر ابن الابار في منصبه كاتبا للوالي الجديد، وزادت حظوته ومكانته، ولم يلبث ان غدا موضع ثقة السيد وتقديره.
وكان سلطان الموحدين، في هذه المنطقة من الأندلس، منطقة الشرق، أضعف منه في اية منطقة أخرى، أولا لنأيها وبعدها عن مركز الحكومة العامة بإشبيلية، وثانيا لأن منطقة الشرق، كان منذ أيام زعيم الشرق محمد بن سعد بن مردنيش، قبل ذلك بنحو سبعين عاما، مركزا لأعنف ثورة وطنية أندلسية، اضطرمت ضد الموحدين. ومن ثم، فإنه لما انهارت قوى الموحدين العسكرية بالأندلس على اثر موقعة العقاب، عادت بوادر الثورة والاضطراب من جديد تعمل في منطقة الشرق. وكانت مرسية، وهي حاضرة الشرق الجنوبية، أول مسرح لانفجار الثورة الوطنية، فقام بها محمد بن يوسف بن هود، واستطاع ان ينتزع السلطة من حاكمها الموحدي السيد أبي العباس سنة 625 ه.
وشعر السيد أبو زيد والي بلنسية بخطورة هذه الحركة، فسار في قواته لمقاتلة ابن هود، ولكن ابن هود هزمه، فارتد مفلولا إلى بلنسية وهو يستشعر سوء المصير.
ذلك أنه لم تمض على ذلك أشهر قلائل، حتى ظهر صدى الحوادث في بلنسية ذاتها، واضطرم اهل بلنسية بالثورة ضد الموحدين، واتجهوا إلى الانضواء تحت زعامة الرئيس أبي جميل زيان بن مدافع بن مردنيش وزير السيد وكبير بطانته. وكان الرئيس زيان، وهو سليل آل مردنيش، حملة لواء الثورة الوطنية من قديم ضد الموحدين، هو الزعيم الطبيعي لمثل تلك الحركة. وكان من اثر ذلك أن وقعت الوحشة بين الوالي السيد أبي زيد، وبين وزيره الرئيس زيان، وخشى زيان من نقمة السيد، فارتد في اهله إلى حصن أندة القريب وامتنع به، وهو يرقب سير الحوادث.
وعندئذ اشتد الهياج في بلنسية، وهتف الشعب برياسة زيان، وخشى السيد أبو زيد بدوره البادرة على نفسه، ولم يجد سبيلا لمدافعة هذه الثورة الجارفة، فغادر بلنسية في اهله وأمواله، ومعه كاتبه ابن الابار، والتجأ إلى بعض الحصون القريبة. وكان خروج السيد أبي زيد من بلنسية