وغيره محتجا بقوله تعالى: ﴿ووجدك ضالا فهدى﴾ (١)، والأحرى والأشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضاف ذلك على ما قدمنا لأن قوله: (ووجدك ضالا فهدى) تأولوه على غير وجه، فقيل: مغمورا في بحور ضلال، كقوله: ضل الماء في اللبن فلا يتميز منه، فكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم مختلطا بقومه غير متميز منهم، فحمل الضلال على هذا الوجه. وقيل: وجدك ضالا عن الكتاب والشرائع كما قال تعالى: (ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان) (٢) وكيف تحمل على غير ما اخترناه وتأولناه، وقد نهي عن التعري حين نقل الحجارة إلى بناء الكعبة مع قومه؟ أفلا تراه ينهى عن الشرك والتدين بدين قومه لو أراده عليه السلام.
وقال أبو الوفاء بن عقيل: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متدينا قبل بعثه، فهل كان متعبدا بشريعة من قبله؟ فيه روايتان، إحداهما أنه كان متعبدا بما صح من شرائع من قبله بطريق الوحي إليه لا من جهتهم ولا بنقلهم ولا من كتبهم المبدلة، واختارها أبو الحسن التميمي، وهو قول أصحاب أبي حنيفة رحمه الله.
والرواية الثانية أنه لم يكن متعبدا بشئ من الشرائع إلا ما أوحي إليه في شريعته، وهو قول المعتزلة والأشعرية. ولأصحاب الشافعي رحمه الله وجهان كالروايتين، قال: واختلف القائلون بأنه متعبد بشرع من قبله بأية شريعة كان يتعبد؟ فقال بعضهم بشريعة إبراهيم عليه السلام خاصة، وإليه ذهب أصحاب الشافعي. وذهب قوم منهم إلى أنه كان متعبدا بشريعة موسى عليه السلام إلا ما نسخ في شرعنا. قال:
وظاهر كلام أحمد رحمه الله: أنه كان متعبدا بكل ما صح أنه شريعة لنبي قبله ما لم يثبت نسخه، يدل عليه قوله تعالى: ﴿أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده﴾ (3).
وقال النووي: والمختار أنه لا يجزم في ذلك بشئ، إذ ليس فيه دلالة عقل، ولا يثبت فيه نص ولا إجماع.
وقال محمد بن قتيبة: لم تزل العرب على بقايا من دين إسماعيل، من ذلك: حج البيت، والختان، وإيقاع الطلاق إذا كان ثلاثا، وأن للزوج الرجعة في الواحدة والاثنين، ودية النفس مائة من الإبل، والغسل من الجنابة، وتحريم ذوات المحارم