بالقرابة والصهر، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما كانوا عليه من الإيمان بالله والعمل بشرائعهم في الختان والغسل والحج. قال: وقوله تعالى: (ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان) يعني به شرائع الإيمان، ولم يرد به الإيمان الذي هو الإقرار [بوحدانية] (1) الله تعالى، لأن آباءه الذين ماتوا في الشرك كانوا يؤمنون بالله ويحجون له مع شركهم.
وذكر الإمام فخر الدين محمد بن عمر الرازي: في المسألة بحثان: الأول:
أنه قبل النبوة هل كان متعبدا بشرائع من قبله؟ أثبته قوم ونفاه آخرون، وتوقف فيه ثالث، احتج المنكرون بأمرين، الأول: لو كان مقيدا بشرع أحد لوجب عليه الرجوع إلى علماء تلك الشريعة والاستفتاء منهم، والأخذ بقولهم، ولو كان كذلك لاشتهروا ولنقل بالتواتر قياسا على سائر أحواله، فحيث لم ينقل علمنا أنه ما كان متعبدا بشرعهم. الثاني: لو كان على ملة قوم لافتخر به هؤلاء القوم ونسبوه إلى أنفسهم ولاشتهر ذلك. فإن قيل: ولو لم يكن متعبدا بشرع أحد، فبقاؤه لا على شرع أحد البتة لا يكون شيئا مخالفا للعادة فلا تتوفر الدواعي على نقله، أما كونه شرع، إما كان على خلاف عادة قومه وجب أن ينقل، احتجوا بأمرين: الأول: أن دعوة من تقدمه كانت عامة فوجب دخوله فيها، الثاني أنه كان يركب البهيمة ويأكل اللحم ويطوف بالبيت. والجواب عن الأول: أنا لا نسلم عموم دعوة من تقدمه سلمناه، لكن لا نسلم وصول تلك الدعوة إليه بطريق، فوجب العلم أو الظن الغالب، وهذا من زمن الفترة، وعن الثاني أن نقول: أما ركوب البهائم فحسن في العقل إذا كان طريقا إلى حفظها ونفعها بالعلف وغيره، وأما أكل اللحم الذكي فحسن أيضا لأنه ليس فيه مضيرة على حيوان، وأما طوافه بالبيت فبتقدير ثبوته لا يجب، أو فعله من غير شرع أن يكون حراما.
البحث الثاني: في حالة بعد النبوة، قال جمهور المعتزلة وكثير من الفقهاء: لم يكن متعبدا بشرع أحد. وقال قوم من الفقهاء: بل كان متعبدا بذلك إلا باستثناء الدليل الراجح ثم اختلفوا، قال قوم: كان متعبدا بشرع إبراهيم عليه السلام، وقيل بشرع موسى عليه السلام، وقيل بشرع عيسى عليه السلام.