تعالى: ﴿إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون﴾ (١) وثانيها: قوله تعالى: ﴿فبهداهم اقتده﴾ (٢) أمره أن يقتدي بهداهم، وثالثها: قوله تعالى: ﴿إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده﴾ (٣)، ورابعها: قوله تعالى:
﴿أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا﴾ (٤)، وخامسها: قوله تعالى: ﴿شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا﴾ (٥).
والجواب عن الأول (يحكم بها النبيون): لا يمكن إجراؤه على ظاهره، لأن جميع النبيين لم يحكموا بجميع ما في التوراة، ذلك معلوم بالضرورة، فوجب إما تخصيص الحكم وهو أن كل النبيين حكموا ببعضه وذلك لا يضرنا، فإن نبينا صلى الله عليه وسلم حكم بما فيه من معرفة الله تعالى وملائكته وكتبه ورسله، أو تخصيص النبيين وهو أن بعض النبيين حكموا بكل ما فيه وذلك لا يضرنا.
وعن الثاني تعالى أمر بأن (٦) يهتدي بهدي مضاف إلى كلهم، وهداهم الذي اتفقوا عليه هو الأصول دون ما وقع عليه النسخ.
وعن الثالث: أنه يقتضي تشبيه الوحي بالوحي، لا تشبيه الوحي بالموحي به.
وعن الرابع: أن المسألة محمولة على الأصول دون الفروع، ويدل عليه أمور، أحدها: أنه يقال: ملة الشافعي وأبي حنيفة واحدة وإن كان مذهبهما في كثير الشرعيات مختلفا، وثانيها: قوله تعالى بعد هذه الآية: ﴿وما كان من المشركين﴾ (7). وثالثها: أن شريعة إبراهيم عليه السلام قد اندرست.
وعن الخامس: أن الآية تقتضي أنه وصى محمد صلى الله عليه وسلم بالذي وصى به نوحا من أن يقيموا الدين ولا يتفرقوا فيه، وأمرهما بإقامة الدين لا يدل على اتفاق دينهما، كما أن أمر الاثنين بأن يقوما بحقوق الله تعالى يدل على أن الحق على أحدهما مثل الحق على الآخر، وعلى أن الآية تدل على أنه تعبد محمدا صلى الله عليه وسلم بما وصى به نوحا عليه السلام، والله أعلم.
وقال الحافظ الفقيه أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم: وأما شريعة