رجوعه إليها رجوع مثبت الشرع بها، والدليل عليه أمور، أحدها: أنه لم يرجع إليها في غير الرجم، وثانيها: أن التوراة محرفة عنده، فكيف يعتمد عليها؟ وثالثها: أن من أخبره بوجوب الرجم في التوراة لم يكن ممن يقع العلم بخبره، فثبت أن رجوعه إليها كان ليقرر عليهم أن ذلك الحكم أنه ثابت في شرعه فهو أيضا ثابت في شرعهم، وأنهم أنكروه كذبا وعنادا.
الحجة الثانية أنه صلى الله عليه وسلم لو كان متعبدا بشرع من قبله لوجب على علماء الأمصار أن يرجعوا في الوقائع إلى شرع من قبله ضرورة أن التأسي به واجب، وحيث [أنهم] (1) لم يفعلوا ذلك علمنا بطلان ذلك.
الحجة الثالثة: أنه صلى الله عليه وسلم صوب معاذا على حكمه باجتهاده إذا عدم حكم الحادثة من الكتاب والسنة، ولو كان متعبدا بحكم التوراة كما تعبد بحكم الكتاب لم يكن له العمل باجتهاد نفسه حتى ينظر في التوراة والإنجيل، فإن قلت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصوب معاذا في العمل باجتهاده إلا إذا عدمه من الكتاب - والتوراة كتاب - ولأنه إنما لم يذكر التوراة لأن في القرآن آيات تدل على الرجوع إليها، كما أنه لم يذكر الإجماع لهذا السبب، قلنا: الجواب عن الأول من وجهين: أحدهما: أنه لا يفهم من إطلاق الكتاب إلا القرآن، فلا يحمل على غيره إلا بدليل. الثاني: أنه لم يعهد من معاذ قط تعليم التوراة والإنجيل بتمييز المحرف منهما عن غيره كما عهد منه تعلم القرآن، وبه ظهر الجواب عن الثاني.
الحجة الرابعة: لو كانت تلك الكتب حجة علينا لكان حفظها من فروض الكفايات كما في القرآن والأخبار، ولرجعوا إليها في مواقع اختلافهم حين أشكل عليهم: كمسألة العول وميراث الجد والمفوضة، وبيع أم الولد وحد الشرب، والربا في غير النسيئة، ودية الجنين، والرد بالعيب بعد الوطء، والتقاء الختانين وغير ذلك من الأحكام. ولما لم ينقل عن واحد منهم مع طول أعمارهم وكثرة وقائعهم، واختلافهم مراجعة التوراة، سيما وقد أسلم من أحبارهم من تقوم الحجة بقولهم، كعبد الله بن سلام وكعب [الأحبار] ووهب، وغيرهم. ولا يجوز القياس إلا بعد الياس من الكتاب، وكيف يحصل الياس قبل العلم؟ احتجوا بأمور أحدها: قوله