الرواة لأجل معرفة قبول الخبر وعدمه، ومعرفة صلاحيته لمعارضة وعدمها، وإلا لا نسد باب التعادل والتراجيح الذي هو أعظم أبواب الاجتهاد، وجرت السيرة عليه من قديم الزمان، كجريانها على الجرح في باب الشهادة وعلى ترجيح ما دل على وجوب إقامتها، على ما دل على حرمة الغيبة على وجه لا إشكال فيه ولا شبهة تعتريه، وإلا لضاعت الحقوق في الدماء والأموال وغيرها، ولغلب الباطل على الحق، ومن ذلك أيضا ذكر المبتدعة الذين أمرنا بالوقيعة فيهم حذرا من اغترار الناس بهم، بل ربما دخل في ذلك أيضا نفي نسب من ادعى نسبا، وإن كان معذورا أو عرف به فينفي عنه، بل ربما وجب دفعا للخلل في المواريث والنفقات والأنكحة وغيرها، فيكون ذلك أحد المستثنيات إذا فرض كونه غيبة، وقلنا بجوازه في غير مقام الشهادة والأمر بالمعروف، كما هو مقتضى ذكر شيخنا له في المستثنيات منها، بل من هذا الباب أيضا ما يقع بين العلماء في بيان الصحيح من الفاسد، ضرورة كونه من جملة النصح في الدين إلا أن الانصاف كون هذا المقام من مزالق الشيطان فلا بد لمرتكب ذلك من تصحيح النية، فإن الناقد لا يخفى عليه شئ من ذلك.
ومنها ما يقصد به دفع الضرر عن المذموم في دم أو عرض أو مال وقد وقع الطعن (1) منهم في زرارة معللين بذلك، ولعل منه ما وقع في الهشامين لكن لا يخفى عليك أن ذلك وشبهه ليس من الغيبة في شئ، بعد ما عرفت من اعتبار قصد الانتقاص فيها الذي به خرج باب المزح والهزل المأمور به في بعض النصوص تأكيدا للألفة وتحقيقا للمحبة، إلا أن ذلك كسابقة ينتقده الله فإنه ربما صدر عن بعض