لا نوافق على قبح إيلام البهائم من غير جرم ولا غرض، وهو من صور النزاع، وإن كان ذلك متفقا عليه بين العقلاء، فلا يلزم أن يكون العلم به ضروريا، وإلا لما خالف فيه أكثر العقلاء عادة. وإن كان ذلك معلوما ضرورة، فلا يلزم من أن يكون ذاتيا، إلا أن يكون مجردا من أمر خارج، وهو غير مسلم على ما يأتي.
وعن المعارضة الثانية، أنه لا يخلو إما أن يقال بالتفاوت بين الصدق والكذب ولو بوجه أو لا يقال به. والأول يلزمه إبطال الاستدلال. والثاني يمنع معه إيثار أحد الامرين دون الآخر. وعلى هذا إن كان ميله إلى الانقاذ لتحقق أمر خارج، فالاستدلال باطل، وإن لم يكن، فالميل إلى الانقاذ لا يكون مسلما، وإن سلم دلالة ما ذكرتموه في حق الشاهد، فلا يلزم مثله في حق الغائب إلا بطريق قياسه على الشاهد، وهو متعذر لما بيناه في علم الكلام.
ثم كيف يقاس، والاجماع منعقد على التفرقة، بتقبيح تمكين السيد لعبيده من الفواحش، مع العلم بهم والقدرة على منعهم، دون تقبيح ذلك بالنسبة إلى الله تعالى.
فإن قيل: إنما لم يقبح من الله ذلك لعدم قدرته على منع الخلق من المعاصي، وذلك لان ما يقع من العبد من المعصية، لا بد وأن يكون وقوعها معلوما للرب، وإلا كان جاهلا بعواقب الأمور، وهو محال. ومنع الرب تعالى من وقوع ما هو معلوم الوقوع له، لا يكون مقدورا كما ذهب إليه النظام.
قلنا: فما قيل فهو بعينه لازم بالنسبة إلى السيد، وأولى أن لا يكون السيد قادرا على المنع ومع ذلك فالفرق واقع.