فزعمت الأوائل من المعتزلة أن الحسن، والقبيح غير مختص بصفة موجبة لحسنه وقبحه، ومنهم من أوجب ذلك كالجبائية، ومنهم من فصل وأوجب ذلك في القبيح دون الحسن. ونشأ بينهم بسبب هذا الاختلاف اختلاف في العبارات الدالة على معنى للحسن والقبيح، أومأنا إليها وإلى مناقضتهم فيها في علم الكلام وقد احتج أصحابنا بحجج:
الأولى: أنه لو كان الكذب قبيحا لذاته، للزم منه أنه إذا قال: إن بقيت ساعة أخرى كذبت، أن يكون الحسن منه في الساعة الأخرى الصدق، أو الكذب والأول ممتنع لما يلزمه من كذب الخبر الأول، وهو قبيح، وما لزم منه القبيح فهو قبيح، فلم يبق غير الثاني وهو المطلوب.
الثانية: لو كان قبح الخبر الكاذب ذاتيا، فإذا قال القائل: زيد في الدار، ولم يكن فيها فالمقتضي لقبحه، إما نفس ذلك اللفظ، وإما عدم المخبر عنه، وإما مجموع الامرين، وإما أمر خارج: الأول: يلزمه قبح ذلك الخبر، وإن كان صادقا، والثاني: يلزمه أن يكون العدم علة للامر الثبوتي، والثالث: يلزمه أن يكون العدم جزء علة الامر الثبوتي، والكل محال. وإن كان الرابع، فذلك المقتضي الخارج إما لازم للخبر المفروض وإما غير لازم. فإن كان الأول، فإن كان لازما لنفس اللفظ، لزم قبحه وإن كان صادقا، وإن كان لازما لعدم المخبر عنه أو لمجموع الامرين، كان العدم مؤثرا في الامر الثبوتي، وهو محال. وإن كان لازما لأمر خارج، عاد التقسيم في ذلك الخارج، وهو تسلسل. وإن لم يكن ذلك المقتضي