وإن لم تكن واجبة، فما يوجبه العقل بها أولى أن لا يكون واجبا، وإن كان لفائدة، فما المانع أن تكون الفائدة في الشكر نفس الشكر لا أمرا خارجا عنه، كما أن تحصيل المصلحة، ودفع المفسدة عن النفس مطلوب لنفسه لا لغيره.
وإن كان لا بد من فائدة خارجة عن كون الشكر شكرا، فما المانع أن تكون الفائدة الامن من احتمال العقاب بتقدير عدم الشكر على ما أنعم الله به عليه من النعم، إذ هو محتمل، ولا يخلو العاقل عن خطور هذا الاحتمال بباله، وذلك من أعظم الفوائد، وإن سلم دلالة ما ذكرتموه على امتناع الايجاب العقلي، لكنه بعينه دال على امتناع الايجاب الشرعي. والجواب أن ذاك يكون مشتركا، وإن لم يكن كذلك. ولكن ما ذكرتموه معارض بما يدل على جواز الايجاب العقلي. وذلك إنه لم يكن العقل موجبا لانحصرت مدارك الوجوب في الشرع، لما ذكرتموه من الاجماع. وذلك محال، لما يلزم عنه من إفحام الرسل، وإبطال مقصود البعثة. وذلك أن النبي إذا ادعى الرسالة، وتحدى بالمعجزة، ودعا الناس إلى النظر فيها لظهور صدقه، فللمدعو أن يقول: لا أنظر في معجزتك، إلا أن يكون النظر واجبا علي شرعا. ووجوب النظر شرعا متوقف على استقرار الشرع، وذلك متوقف على وجوب النظر، وهو دور ممتنع.
والجواب: لا نسلم أن العلم الضروري بما ذكروه عقلا، إذ هو دعوى محل النزاع، وإن سلم ذلك، لكن بالنسبة إلى من ينتفع بالشكر، ويتضرر بعدمه.
وأما بالنسبة إلى الله تعالى مع استحالة ذلك في حقه، فلا.
قولهم: لم قلتم برعاية الفائدة، قلنا: لما ذكرناه.
قولهم: هذا منكم لا يستقيم - قلنا: إنما ذكرنا ذلك بطريق الالزام للخصم، لكونه قائلا به، وبه يبطل ما ذكروه في إبطال رعاية الفائدة. كيف وقد أمكن