يوقف عليها من بعده. واصطلح أولاده من بعده على هذه اللغات، والكلام إنما هو في هذه اللغات.
وأما قول الملائكة: * (لا علم لنا إلا ما علمتنا) * (2) البقرة: 31) فلا يدل على أن أصل اللغات التوقيف لما عرف في حق آدم.
وقوله تعالى: * (ما فرطنا في الكتاب من شئ) * (6) الانعام: 38) فالمراد به أن ما ورد في الكتاب لا تفريط فيه، وإن كان المراد به أنه بين فيه كل شئ، فلا منافاة بينه وبين كونه معرفا للغات من تقدم.
وعلى هذا يخرج الجواب عن قوله تعالى: * (تبيانا لكل شئ) * (16) النحل: 89) وعن قوله:
* (علم الانسان ما لم يعلم) * (96) العلق: 5).
وأما آية الذم فالذم فيها، إنما كان على إطلاقهم أسماء الأصنام مع اعتقادهم كونها آلهة.
وأما آية اختلاف الألسنة، فهي غير محمولة على نفس الجارحة بالاجماع، فلا بد من التأويل.
وليس تأويلها بالحمل على اللغات أولى من تأويلها بالحمل على الاقدار على اللغات، كيف وإن التوقيف يتوقف على معرفة كون تلك الألفاظ دالة على تلك المعاني. وذلك لا يعرف إلا بأمر خارج عن تلك الألفاظ، والكلام فيه إن كان توقيفيا كالكلام في الأول وهو تسلسل ممتنع، فلم يبق غير الاصطلاح.
ثم ما ذكرتموه معارض بقوله تعالى: * (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) * (4) إبراهيم: 4).
وذلك يدل على سبق اللغات على البعثة.
والجواب: قولهم: المراد من تعليم آدم إلهامه بالوضع والاصطلاح مع نفسه، وهو خلاف الظاهر من إطلاق لفظ التعليم. ولهذا فإن من اخترع أمرا، واصطلح عليه مع نفسه، يصح أن يقال إنه ما علمه أحد ذلك، ولو كان إطلاق التعليم بمعنى الالهام بما يفعله الانسان مع نفسه حقيقة، لما صح نفيه. وحيث صح نفيه، دل