وإن كان الثالث، فيحتمل أن يكون الوصف الجامع الذي به التعدية دليلا على التعدية، ويحتمل أن لا يكون دليلا، بدليل ما صرح بذلك، وإذا احتمل، واحتمل، فليس أحد الامرين أولى من الآخر. فالتعدية تكون ممتنعة.
فإن قيل الوصف الجامع، وإن احتمل أن لا يكون دليلا غير أن احتمال كونه دليلا أظهر وبيانه من ثلاثة أوجه:
الأول: إن الاسم دار مع الوصف في الأصل وجودا وعدما. والدوران دليل كون وجود الوصف أمارة على الاسم، فيلزم من وجوده في الفرع وجود الاسم.
الثاني: إن العرب إنما سمت باسم الفرس، والانسان الذي كان في زمانهم، وكذلك وصفوا الفاعل في زمانهم بأنه رفع، والمفعول نصب، وإنما وصفوا بعض الفاعلين والمفعولين، ومع ذلك فالاسم مطرد في زماننا بإجماع أهل اللغة في كل إنسان وفرس، وفاعل ومفعول، وليس ذلك إلا بطريق القياس.
والثالث: قوله تعالى: * (فاعتبروا يا أولي الابصار) * (59) الحشر: 2) وهو عام في كل قياس.
ثم ما ذكرتموه باطل بالقياس الشرعي. فإن كل ما ذكرتموه من الأقسام بعينه متحقق فيه. ومع ذلك فالقياس صحيح متبع، وهو أيضا على خلاف مذهب الشافعي، فإنه سمى النبيذ خمرا، وأوجب الحد بشربه، وأوجب الحد على اللائط قياسا على الزنى، وأوجب الكفارة في يمين الغموس قياسا على اليمين في المستقبل، وتأول حديث: الشفعة للجار بحمله على الشريك في الممر، وقال: العرب تسمي الزوجة جارا، فالشريك أولى.
قلنا: جواب الأول: إن دوران الاسم مع الوصف في الأصل وجودا وعدما لا يدل على كونه علة للاسم، بمعنى كونه داعيا إليه وباعثا، بل إن كان، ولا بد، فبمعنى كونه أمارة، وكما دار مع اسم الخمر مع الشدة المطربة، دار مع خصوص شدة المعتصر من العنب، وذلك غير موجود في النبيذ، فلا قياس.