المسلك السادس: أنه لو جاز انعقاد الاجماع من غير دليل لم يكن لاشتراط الاجتهاد في قول المجمعين معنى، وهو محال، لان اشتراط الاجتهاد مجمع عليه.
ولقائل أن يقول: الاجتهاد مشترط لا حالة الاجماع، أو حالة الاجماع؟
الأول مسلم، والثاني دعوى محل النزاع. فإن الخصم إذا قال بجواز الإصابة وامتناع الخطأ على الاجماع من غير دليل، كيف يسلم اشتراط الاجتهاد في مثل هذه الصورة. فهذه جملة ما ظفرت به من مسالك النافين وليس شئ منها موجبا لاستبعاد مقالة المخالف والحكم ببعده عن الصواب.
وأما المثبتون فقد احتجوا بمسلكين:
الأول أن الاجماع حجة، فلو افتقر في جعله حجة إلى دليل، لكان ذلك الدليل هو الحجة في إثبات الحكم المجمع عليه، ولم يكن في إثبات كون الاجماع حجة فائدة وهو باطل من ثلاثة أوجه.
الأول: أنه أمكن أن يقال فائدة كون الاجماع حجة، جواز الاخذ به وإسقاط البحث عن ذلك الدليل وحرمة المخالفة الجائزة قبل الاتفاق.
الثاني: أن ما ذكروه يوجب عدم انعقاد الاجماع عن الدليل ولم يقولوا به.
الثالث: أنه ينتقض بقول الرسول، فإنه حجة بالاتفاق مع أنه لا يقول ما يقوله إلا عن دليل، وهو ما يوحى به إليه على ما نطق به النص.
المسلك الثاني: استدلالهم بالواقع، وهو أنهم قالوا: قد انعقد الاجماع من غير دليل كإجماعهم على أجرة الحمام، وناصب الحباب على الطريق، وأجرة الحلاق، وأخذ الخراج ونحوه.
ولقائل أن يقول: لا نسلم وقوع شئ من الاجماعات إلا عن دليل غايته أنه لم ينقل الاكتفاء بالاجماع عنه وإذا عرف ضعف المأخذ من الجانبين، فالواجب أن يقال: إنهم إن أجمعوا عن غير دليل، فلا يكون إجماعهم إلا حقا ضرورة استحالة الخطأ عليهم. وأما أن يقال إنه لا يتصور إجماعهم إلا عن دليل أو يتصور، فذلك مما قد ظهر ضعف المأخذ فيه من الجانبين.