مخالفة الشيخين، وبتقدير أن يكون علي قد خالف بعد انعقاد الاجماع، فلعله كان ممن يرى اشتراط انقراض العصر. ولا حجة في قول المجتهد الواحد في محل النزاع.
وأما قضية التسوية، فلا نسلم أن عمر خالف فيها بعد الوفاق، فإنه روي أنه خالف أبا بكر في ذلك في زمانه، وقال له: أتجعل من جاهد في سبيل الله بنفسه وماله كمن دخل في الاسلام كرها؟ فقال أبو بكر: إنما عملوا لله، وإنما أجرهم على الله، وإنما الدنيا بلاغ. ولم يرو أن عمر رجع إلى قول أبي بكر، وإنما فضل في زمانه وعود الامر إليه، لأنه كان مصرا على المخالفة.
وأما حده للشارب ثمانين، فغايته أنه خالف الاجماع السكوتي، ونحن نقول بجواز ذلك لكونه كان من جملة الساكتين على ما بيناه في المسألة المتقدمة.
وعن الحجة الأولى: من المعقول أنه، وإن كان مصير كل واحد من المجتهدين إلى الحكم عن اجتهاد وظن، ولكن بعد اتفاقهم على الحكم إنما يجوز الرجوع عنه بالاجتهاد أن لو لم يصر الحكم بإجماعهم قطعيا. وأما إذ صار قطعيا فيمتنع العود عنه وتركه بالاجتهاد الظني. وهذا بخلاف العود عن الاجتهاد الظني بالاجتهاد الظني.
وعن الثانية: أنه قد ذهب بعض من نص هذا المذهب إلى إبطال مذهب المخالف بموته، وقال بانعقاد إجماع من بقي ومنهم من قال: إنما لم يبطل مذهبه، ولا ينعقد الاجماع بعده، لان من بعده ليس هم كل الأمة بالنسبة إلى هذه المسألة التي خالف فيها الميت، فإن فتواه لا تبطل بموته، وهو الحق.
وعن الثالثة: بالفرق بين النبي، عليه السلام، والأمة، أن قوله إنما لم يستقر قبل موته لامكان نسخه من الله تعالى، وهو مرتقب. وذلك إنما هو بالوحي القاطع، ورفع القاطع بالقاطع على طريق النسخ غير ممتنع بخلاف رفع حكم الاجماع القاطع بطريق الاجتهاد.
وعن الرابعة: أن ما فرضوه من تذكر الخبر المخالف لاجماعهم فهو فرض محال، بل الله تعالى يعصم الأمة عن الاجماع على خلاف الخبر، وذلك يوجب إما عدم الخبر المخالف، أو أن يعصم الراوي له عن النسيان إلى تمام انعقاد الاجماع.
وعلى هذا، يكون الحكم فيما يقال من اطلاع التابعين على خبر مخالف للاجماع السابق.