إلا على رأي من يجوز التكليف بما لا يطاق، لان المقصود من التكليف كما يتوقف على فهم أصل الخطاب، فهو متوقف على فهم تفاصيله. وأما الصبي المميز، وإن كان يفهم ما لا يفهمه غير المميز، غير أنه أيضا غير فاهم على الكمال ما يعرفه كامل العقل من وجود الله تعالى، وكونه متكلما مخاطبا مكلفا بالعبادة، ومن وجود الرسول الصادق المبلغ عن الله تعالى، وغير ذلك مما يتوقف عليه مقصود التكليف.
فنسبته إلى غير المميز، كنسبة غير المميز إلى البهيمة فيما يتعلق بفوات شرط التكليف، وإن كان مقاربا لحالة البلوغ، بحيث لم يبق بينه وبين البلوغ سوى لحظة واحدة، فإنه، وإن كان فهمه كفهمه الموجب لتكليفه بعد لحظة، غير أنه لما كان العقل والفهم فيه خفيا، وظهوره فيه على التدريج، ولم يكن له ضابط يعرف به، جعل له الشارع ضابطا، وهو البلوغ، وحط عنه التكليف قبله تخفيفا عليه.
ودليله قوله عليه السلام: رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق.
فإن قيل: إذا كان الصبي والمجنون غير مكلف، فكيف وجبت عليهما الزكاة والنفقات والضمانات، وكيف أمر الصبي المميز بالصلاة.
قلنا: هذه الواجبات ليست متعلقة بفعل الصبي والمجنون، بل بماله أو بذمته.
فإنه أهل للذمة بإنسانيته المتهيئ بها لقبول فهم الخطاب عند البلوغ، بخلاف البهيمة، والمتولي لأدائها الولي عنهما، أو هما بعد الإفاقة والبلوغ. وليس ذلك من باب التكليف في شئ.
وأما الامر بصلاة المميز فليس من جهة الشارع، وإنما هو من جهة الولي، لقوله عليه السلام: مروهم بالصلاة، وهم أبناء سبع وذلك لأنه يعرف الولي، ويفهم خطابه، بخلاف خطاب الشارع على ما تقدم.