ودليل الجواز العقلي أنه لو خاطب الشارع الكافر المتمكن من فهم الخطاب، وقال له: أوجبت عليك العبادات الخمس المشروط صحتها بالايمان، وأوجبت عليك الاتيان بالايمان، مقدما عليها لم يلزم منه لذاته محال عقلا، ولا معنى للجواز العقلي سوى هذا.
فإن قيل: التكليف بالفروع المشروطة بالايمان، إما أن تكون حالة وجود الايمان، أو حالة عدم.
فإن كان الأول فلا تكليف قبل الايمان، وهو المطلوب.
وإن كان حالة عدمه فهو تكليف بما هو غير جائز عقلا.
وأيضا فإن التكليف بالفروع غير ممكن الامتثال، لاستحالة أدائها حالة الكفر، وامتناع أدائها بعد الايمان، لكونه مسقطا لها بالاجماع. وما لا يمكن امتثاله فالتكليف به تكليف بما لا يطاق، ولم يقل به قائل في هذه المسألة.
قلنا: أما الاشكال الأول، فإنما يلزم منه التكليف بما لا يطاق بتقدير تكليفه بالفروع حالة الكفر، إن لو كان تكليفه بمعنى إلزامه الاتيان بها مع الكفر، وليس كذلك، بل بمعنى أنه لو أصر على الكفر، حتى مات، ولم يأت بها مع الايمان، فإنه يعاقب في الدار الآخرة، ولا إحالة فيه.
وبهذا الحرف يندفع ما ذكروه من الاشكال الثاني أيضا. كيف وإن الامتثال بعد الاسلام غير ممتنع. غير أن الشارع أسقطه ترغيبا في الدخول في الاسلام، بقوله عليه السلام: الاسلام يجب ما قبله وهذا بخلاف المرتد، حيث إنه أوجب عليه فعل ما فاته في حال ردته ليكون ذلك مانعا من الردة.
وأما الوقوع شرعا، فيدل عليه النص والحكم.
أما النص فمن وجوه: الأول قوله تعالى: * (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين) * (98) البينة: 1) إلى قوله تعالى: * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة) * (98) البينة: 5) والضمير في قوله: (وما أمروا) عائد إلى المذكورين أولا، وهو صريح في الباب.