وأما الطرف الثاني: وهو بيان جواز التكليف بالمستحيل لغيره، فقد احتج الأصحاب عليه بالنص والمعقول:
أما النص، فقوله تعالى: * (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) * (2) البقرة: 286) سألوا دفع التكليف بما لا يطاق. ولو كان ذلك ممتنعا، لكان مندفعا بنفسه، ولم يكن إلى سؤال دفعه عنهم حاجة.
فإن قيل إنما يمكن حمل الآية على سؤال دفع ما لا يطاق أن لو كان ذلك ممكنا، وإلا لتعذر السؤال بدفع ما لا إمكان لوقوعه، كما ذكرتموه، وإمكانه متوقف على كون الآية ظاهرة فيه فيكون دورا، سلمنا كونها ظاهرة فيما ذكرتموه، ولكن أمكن تأويلها بالحمل على سؤال دفع ما فيه مشقة على النفس، وإن كان مما يطاق ويجب الحمل عليه لموافقته لما سنذكره من الدليل بعد هذا، سلمنا إرادة دفع ما لا يطاق، لكنه حكاية حال الداعين، ولا حجة فيه، سلمنا صحة الاحتجاج بقول الداعين، لكن لا يخلو إما أن يقال بأن جميع التكاليف غير مطاقة، أو البعض دون البعض. الأول، يوجب إبطال فائدة تخصيصهم بذكر ما لا يطاق، بل كان الواجب أيقال لا يكلفنا. وإن كان الثاني، فهو خلاف أصلكم، سلمنا دلالة ما ذكرتموه، لكنه معارض بقوله تعالى: * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * (2) البقرة: 286) وهو صريح في الباب. وقوله تعالى: * (وما جعل عليكم في الدين من حرج) * (22) الحج: 87) ولا حرج أشد من التكليف بما لا يطاق.
والجواب - عن السؤال الأول: أن الآية بوضعها ظاهرة فيما لا يطاق، فيجب تقدير إمكان التكليف به ضرورة حمل الآية على ما هي ظاهرة فيه، حذرا من التأويل من غير دليل.
وعن الثاني: أنه ترك الظاهر من غير دليل.