فإن قيل: ما ذكرتموه من إحالة طلب الجمع بين الضدين بناء على عدم تصوره في نفس الطالب غير صحيح، وذلك لأنه لو لم يكن متصورا في نفس الطالب، لما علم إحالته، فإن العلم بصفة الشئ فرع تصور ذلك الشئ، واللازم ممتنع، وإن سلم دلالة ما ذكرتموه، إلا أنه معارض بما يدل على جواز التكليف بالجمع بين الضدين ووقوعه شرعا. وبيانه قوله تعالى لنوح: * (إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن) * (1) هود: 36) أخبر أنه لا يؤمن غير من لم يؤمن، مع أنهم كانوا مكلفين بتصديقه فيما يخبر به، ومن ضرورة ذلك تكليفهم بأن لا يصدقوه تصديقا له في خبره أنهم لا يؤمنون.
وأيضا فإن الله تعالى كلف أبا لهب بتصديق النبي عليه السلام في أخباره. ومن أخبار النبي عليه السلام، أن أبا لهب لا يصدقه لاخبار الله تعالى لنبيه بذلك، فقد كلفه بتصديقه في إخباره بعدم تصديقه له وفي ذلك تكليفه بتصديقه وعدم تصديقه، وهو تكليف بالجمع بين الضدين.
قلنا: أما الاشكال الأول، فمندفع. وذلك لان الجمع المعلوم المتصور المحكوم بنفيه عن الضدين إنما هو الجمع المعلوم بين المختلفات، التي ليست متضادة، ولا يلزم من تصوره منفيا عن الضدين تصوره ثابتا لهما، وهو دقيق فليتأمل وما ذكروه من المعارضة. فلا نسلم وجود الاخبار بعدم الايمان في الآيتين مطلقا.
أما في قصة أبي لهب، فغاية ما ورد فيه قوله تعالى: * (سيصلى نارا ذات لهب) * (111) المسد: 3) وليس في ذلك ما يدل على الاخبار بعدم تصديقه للنبي مطلقا، فإنه لا يمتنع تعذيب المؤمن، وبتقدير امتناع ذلك، أمكن حمل قوله تعالى: * (سيصلى نارا ذات لهب) * (111) المسد: 3) على تقدير عدم إيمانه.
وكذلك التأويل في قوله تعالى: * (إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن) * (11) هود: 36) أي بتقدير عدم هداية الله تعالى لهم إلى ذلك. وذلك لا يدل على الاخبار بعدم الايمان مطلقا، وإن سلمنا ذلك، ولكن لا نسلم أنهم كلفوا بتصديق النبي عليه السلام فيما أخبر من عدم تصديقهم بتكذيبه. وهذا مما اتفق عليه نفاة التكليف بالجمع بين الضدين.