وأما في الشرع، فقد قيل الرخصة ما أبيح فعله مع كونه حراما، وهو تناقض ظاهر.
وقيل ما رخص فيه، مع كونه حراما، وهو، مع ما فيه من تعريف الرخصة بالترخيص المشتق من الرخصة، غير خارج عن الإباحة. فكان في معنى الأول.
وقال أصحابنا: الرخصة ما جاز فعله لعذر مع قيام السبب المحرم، وهو غير جامع. فإن الرخصة، كما قد تكون بالفعل، قد تكون بترك الفعل، كإسقاط وجوب صوم رمضان، والركعتين من الرباعية في السفر. فكان من الواجب أن يقال: الرخصة ما شرع من الاحكام لعذر إلى آخر الحد المذكور، حتى يعم النفي والاثبات.
ثم العذر المرخص لا يخلو إما أن يكون راجحا على المحرم، أو مساويا، أو مرجوحا.
فإن كان الأول، فموجبه لا يكون رخصة، بل عزيمة، وإلا كان كل حكم ثبت بدليل راجح مع وجود المعارض المرجوح رخصة، وهو خلاف الاجماع.
وإن كان مساويا، فإن قلنا بتساقط الدليلين المتعارضين من كل وجه، والرجوع إلى الأصل، فلا يكون ذلك رخصة، وإلا كان كل فعل يقينا فيه على النفي الأصلي قبل ورود الشرع رخصة، وهو ممتنع. وإن لم نقل بالتساقط، فالقائل قائلان:
قائل يقول بالوقف عن الحكم بالجواز وعدمه إلى حين ظهور الترجيح، وذلك عزيمة لا رخصة، وقائل يقول بالتخيير بين الحكم بالجواز، والحكم بالتحريم. ويلزم من ذلك أن لا يكون أكل الميتة حالة الاضطرار رخصة. ضرورة عدم التخيير بين جواز الاكل والتحريم. لان الاكل واجب جزما، وقد قيل بكونه رخصة. فلم يبق إلا أن يكون الدليل المحرم راجحا على المستبيح. ويلزم من ذلك العلم بالمرجوح ومخالفة الراجح، وهو في غاية الاشكال، وإن كان هذا القسم هو الأشبه بالرخصة، لما فيها من التيسير والتسهيل بالعمل بالمرجوح، ومخالفة الراجح. وعلى هذا فإباحة