قلنا: معرفة السببية مستندة إلى الخطاب، أو إلى الحكمة الملازمة للوصف مع اقتران الحكم بها في صورة، فلا تستدعي سببا آخر يعرفها حتى يلزم الدور، أو التسلسل، وبما ذكرناه هاهنا يكون دفع إشكال الثاني أيضا.
وأما الوجه الأول: من الاشكال الثالث، فالوجه في دفعه أن الحكمة المعرفة للسببية ليس طلق حكمة بل الحكمة المضبوطة بالوصف المقترن بالحكم، فلا تكون بمجردها معرفة للحكم فإنها إذا كانت خفية غير مضبوطة بنفسها ولا بملزومها من الوصف فلا يمكن تعريف الحكم بها، لعدم الوقوف على ما به التعريف لاضطرابها واختلافها باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمان، وما هذا شأنه فدأب الشارع فيه رد الناس إلى المظان الظاهرة المنضبطة المستلزمة لاحتمال الحكمة دفعا للعسر والحرج عنهم.
وأما الوجه الثاني: منه، فالوجه في دفعه أن يقال الحكمة إذا كانت مضبوطة بالوصف فهي معروفة بنفسها غير مفتقرة إلى معرف آخر، ولا يلزم من تقدمها على ورود الشرع أن تكون معرفة للسببية، لتوقف ذلك على اعتبارها في الشرع، ولا اعتبار لها قبل ورود الشرع. وإذا عرف معنى السبب شرعا، فلو تخلف الحكم عنه في صورة من الصور، فهل تبطل سببيته أم لا. فسيأتي الكلام عليه في مسألة تخصيص العلة فيما بعد.