عسر وقوف المكلفين على خطاب الشرع في كل واقعة من الوقائع، بعد انقطاع الوحي، حذرا من تعطيل أكثر الوقائع عن الأحكام الشرعية. وسواء كان السبب مما يتكرر بتكرره الحكم، كما ذكرناه من زوال الشمس وطلوع الهلال، وغيره من أسباب الضمانات والعقوبات والمعاملات، أو غير متكرر به، كالاستطاعة في الحج ونحوه، وسواء كان وصفا وجوديا، أو عدميا شرعيا، أو غير شرعي على ما يأتي تحقيقه في القياس.
وإذا أطلق على السبب أنه موجب للحكم، فليس معناه أنه يوجبه لذاته، وصفة نفسه، وإلا كان موجبا له قبل ورود الشرع، وإنما معناه أنه معرف للحكم لا غير، كما ذكرناه في تحديده.
فإن قيل لو كانت السببية حكما شرعيا، لافتقرت في معرفتها إلى سبب آخر يعرفها. ويلزم من ذلك إما الدور إن افتقر كل واحد من السببين إلى الآخر، وإما التسلسل، وهو محال.
وأيضا فإن الوصف المعرف للحكم، إما يعرفه بنفسه، أو بصفة زائدة.
وإما التسلسل وهو محال.
فإن كان الأول، لزم أن يكون معرفا له قبل ورود الشرع وهو محال. وإن كان بصفة زائدة عليه، فالكلام في تلك الصفة كالكلام في الأول، وهو تسلسل ممتنع.
وأيضا فإن الطريق إلى معرفة كون الوصف سببا للحكم، إنما هو ما يستلزمه من الحكمة المستدعية للحكم من جلب مصلحة، أو دفع مفسدة. وذلك ممتنع لوجهين:
الأول: أنه لو كانت الحكمة معرفة لحكم السببية، لأمكن تعريف الحكم المسبب بها من غير حاجة إلى توسط الوصف. وليس كذلك بالاجماع.
الثاني: أن الحكمة، إما أن تكون قديمة أو حادثة.
فإن كان الأول لزم من قدمها قدم موجبها، وهو معرفة السببية. وإن كان الثاني، فلا بد لها من معرف آخر لخفائها. والتقسيم في ذلك المعرف عائد بعينه.