مع قطع النظر عن وجود المادة فيه فامتيازه عن غيره إنما هو بوجودها، ومن هنا قلنا إن المتفاهم العرفي من الصحيحة ان سبب اعتصامه إنما هو المادة.
وعلى الجملة ان احتمال دخل خصوصية عنوان البئر في اعتصامه في نفسه غير محتمل جزما: ضرورة ان العرف لا يرى فرقا بين الماء الموجود في باطن الأرض كالبئر والموجود في سطحها مع غض النظر عن المادة.
فالنتيجة في نهاية الشوط هي ان التعليل في الصحيحة وان فرضنا انه مسوق ابتداء لبيان إزالة النجاسة عن ماء البئر بعد زوال التغير الا ان العرف يرى بالمناسبات الارتكازية ان سببية المادة لطهارته وإزالة النجاسة عنه إنما هي من آثار سببيتها لاعتصامه، ولازم ذلك ان التعليل فيها مطلقا بحسب مقام اللب والواقع راجع إلى اعتصامه وعدم انفعاله بالملاقاة كما هو محط البحث والنظر وإن كان بحسب ظاهر القضية راجعا إلى ارتفاع النجاسة عنه، وعليه فلا يبقى مجال للنزاع في أن التعليل راجع إلى اعتصامه أو إلى ارتفاع النجاسة عنه.
ومن ضوء ما بيناه من النكتة يظهر خطأ ما قبل من أن التعليل إذا افترضنا أنه راجع إلى بيان إزالة النجاسة دون الاعتصام قابل للتقييد بالكثير نظرا إلى أنه باطلاقه حينئذ يشمل ما إذا كان ماء البئر قليلا، وبنكتة ان الرفع يستلزم أولوية الدفع بالمناسبة الارتكازية العرفية يدل على اعتصامه أيضا. أو فقل: ان سببية المادة لإزالة النجاسة عنه يستلزم سببيتها لاعتصامه وعدم انفعاله بالملاقاة بالأولوية باعتبار ان الدفع أهون من الرفع عرفا.
وعلى هذا فلا محالة يعارض اطلاقه مع اطلاق ما يدل على انفعال الماء القليل بالملاقاة، فان مقتضي اطلاق التعليل بلحاظ النكتة المزبورة ان الماء القليل إذا كان له مادة لا ينفعل بالملاقاة فيكون معارضا لما دل على انفعاله