فلا يمكن ان يصدق بإناطته بغير ما قطع عقلا ثبوته، وإذا كان قاطعا عقلا بثبوت الملاك للحكم، ولكن على نحو لا يجزم بأنه ملاك تام ويحتمل دخل بعض القيود فيه، فليس هذا القطع حجة في نفسه بلا حاجة إلى بذل عناية في تحويله من طريقي إلى موضوعي.
وثانيا: ان القطع العقلي لا يؤدي دائما إلى ثبوت الحكم بل قد يؤدي إلى نفيه من قبيل ما يستدل به على استحالة الامر بالضدين ولو على وجه الترتب، فماذا يقال بهذا الشأن، وهل يفترض ان المولى يجعل الحكم المستحيل في حق من وصلت إليه الاستحالة بدليل عقلي على الرغم من استحالته.
فالصحيح اذن ان المنع شرعا عن حجية الدليل العقلي القطعي غير معقول لا بصورة مباشرة ولا بتحويله من القطع الطريقي إلى الموضوعي.
ولكن القائلين بعدم حجية الدليل العقلي استندوا إلى جملة من الروايات التي نددت بالعمل بالأدلة العقلية، وأكدت على عدم قبول اي عمل غير مبني على الاعتراف بأهل البيت ونحو ذلك من الألسنة.
والصحيح ان الروايات المذكورة لا دلالة فيها على ما يدعى وانما هي بصدد أمور أخرى، فبعضها بصدد المنع من التعويل على الرأي والاستحسان ونحو ذلك من الظنون العقلية، وبعضها بصدد بيان كون الولاية شرطا في صحة العبادة، وبعضها بصدد بيان عدم جواز الانصراف عن الأدلة الشرعية والتوجه رأسا إلى الاستدلالات العقلية، مع أن التوجه إلى الأدلة الشرعية كثيرا ما يحول دون حصول القطع من الاستدلال العقلي كما هو الحال في رواية ابان الواردة في دية أصابع المرأة.
وبهذا ينتهي البحث في الدليل العقلي وبذلك نختم الكلام في مباحث الأدلة من الحلقة الثالثة، وقد كان الشروع فيها في اليوم التاسع عشر من جمادي الثانية 1397 ه وكان الفراغ في اليوم الثالث والعشرين من شهر