ولكن التحقيق ان الفرق بينهما أعمق من ذلك، فان روح الحكم الظاهري في موارد الامارة تختلف عن روحه في موارد الأصل بقطع النظر عن نوع الصياغة، وليس الاختلاف الصياغي المذكور الا تعبيرا عن ذلك الاختلاف الأعمق في الروح بين الحكمين.
وتوضيح ذلك انا عرفنا سابقا ان الأحكام الظاهرية، مردها إلى خطابات تعين الأهم من الملاكات، والمبادئ الواقعية حين يتطلب كل نوع منها ضمان الحفاظ عليه بنحو ينافي ما يضمن به الحفاظ على النوع الآخر، وكل ذلك يحصل نتيجة الاختلاط بين الأنواع عند المكلف وعدم تمييزه المباحات عن المحرمات مثلا، والأهمية التي تستدعي جعل الحكم الظاهري وفقا لها، تارة تكون بلحاظ الاحتمال، وأخرى بلحاظ المحتمل، وثالثة بلحاظ الاحتمال والمحتمل معا، فان شك المكلف في الحكم يعني وجود احتمالين أو أكثر في تشخيص الواقع المشكوك، وحينئذ فان قدمت بعض المحتملات على البعض الآخر، وجعل الحكم الظاهري وفقا لها لقوة احتمالها وغلبة مصادفته للواقع بدون اخذ نوع المحتمل بعين الاعتبار، فهذا هو معنى الأهمية بلحاظ الاحتمال، وبذلك يصبح الاحتمال المقدم امارة، سواء كان لسان الانشاء والجعل للحكم الظاهري لسان جعل الطريقية، أو وجوب الجري على وفق الامارة. وان قدمت بعض المحتملات على البعض الآخر لأهمية المحتمل بدون دخل لكاشفية الاحتمال في ذلك كان الحكم من الأصول العملية البحتة، كأصالة الإباحة وأصالة الاحتياط الملحوظ في أحدهما أهمية الحكم الترخيصي المحتمل. وفي الآخر أهمية الحكم الالزامي المحتمل بقطع النظر عن درجة الاحتمال، سواء كان لسان الانشاء والجعل للحكم الظاهري لسان تسجيل وظيفة عملية، أو لسان جعل الطريقية، وان قدمت بعض المحتملات على البعض الآخر بلحاظ كلا الامرين من الاحتمال والمحتمل، كان الحكم من الأصول العملية التنزيلية أو المحرزة كقاعدة الفراغ.