حراما في الواقع، تمثلت حجيته في جعل وجوب ظاهري لذلك الشئ وفقا لما أخبر به الثقة، فيلزم على هذا الأساس اجتماع الضدين، وهما الوجوب الظاهري والحرمة الواقعية.
ولكن الافتراض المذكور خطأ، لان الصحيح ان معنى حجية خبر الثقة مثلا جعله علما وكاشفا تاما عن مؤداه بالاعتبار، فلا يوجد حكم تكليفي ظاهري زائدا على الحكم التكليفي الواقعي ليلزم اجتماع حكمين تكليفيين متضادين، وذلك لان المقصود من جعل الحجية للخبر مثلا، جعله منجزا للأحكام الشرعية التي يحكى عنها وهكذا يحصل بجعله علما وبيانا تاما، لان العلم منجز سواء كان علما حقيقة كالقطع، أو علما بحكم الشارع كالامارة، وهذا ما يسمى بمسلك جعل الطريقية.
والجواب على ذلك أن التضاد بين الحكمين التكليفيين ليس بلحاظ اعتباريهما حتى يندفع بمجرد تغيير الاعتبار في الحكم الظاهري من اعتبار الحكم التكليفي، إلى اعتبار العلمية والطريقية، بل بلحاظ مبادئ الحكم، كما تقدم في الحلقة السابقة.
وحينئذ فان قيل بان الحكم الظاهري ناشئ من مصلحة ملزمة وشوق في فعل المكلف الذي تعلق به ذلك الحكم، حصل التنافي بينه وبين الحرمة الواقعية مهما كانت الصيغة الاعتبارية لجعل الحكم الظاهري، وان قيل بعدم نشوئه من ذلك ولو بافتراض قيام المبادئ بنفس جعل الحكم الظاهري زال التنافي بين الحكم الواقعي والحكم الظاهري، سواء جعل هذا حكما تكليفيا أو بلسان جعل الطريقية.
ومنها: ما ذكره السيد الأستاذ من أن التنافي بين الحرمة والوجوب مثلا، ليس بين اعتباريهما، بل بين مبادئهما من ناحية، لان الشئ الواحد لا يمكن أن يكون مبغوضا ومحبوبا، وبين متطلباتهما في مقام الامتثال من ناحية أخرى، لان كلا منهما يستدعى تصرفا مخالفا لما يستدعيه الآخر،