1 - أما من الناحية الأولى: فمن الظاهر أنه لا مدرك لها إلا حكم العقل بأولوية الجمع، لأن التعارض لا يقع إلا مع فرض تمامية مقومات الحجية في كل منهما من ناحية السند والدلالة، كما تقدم في الشرط الرابع من شروط التعارض (ص 213) ومع فرض وجود مقومات الحجية - أي وجود المقتضي للحجية - فإنه لا وجه لرفع اليد عن ذلك إلا مع وجود مانع من تأثير المقتضي، وما المانع في فرض التعارض إلا تكاذبهما. ومع فرض إمكان الجمع في الدلالة بينهما لا يحرز تكاذبهما، فلا يحرز المانع عن تأثير مقتضى الحجية فيهما، فكيف يصح أن نحكم بتساقطهما أو سقوط أحدهما؟
2 - وأما من الناحية الثانية: فإنا نقول: إن المراد من " الجمع التبرعي " ما يرجع إلى التأويل الكيفي الذي لا يساعد عليه عرف أهل المحاورة ولا شاهد عليه من دليل ثالث.
وقد يظن الظان أن إمكان الجمع التبرعي يحقق هذه القاعدة، وهي أولوية الجمع من الطرح بمقتضى التقرير المتقدم في مدركها، إذ لا يحرز المانع - وهو تكاذب المتعارضين - حينئذ، فيكون الجمع أولى.
ولكن يجاب عن ذلك: انه لو كان مضمون هذه القاعدة المجمع عليها ما يشمل الجمع التبرعي فلا يبقى هناك دليلان متعارضان وللزم طرح كل ما ورد في باب التعارض من الأخبار العلاجية إلا فيما هو نادر ندرة لا يصح حمل الأخبار عليها، وهو صورة كون كل من المتعارضين نصا في دلالته لا يمكن تأويله بوجه من الوجوه. بل ربما يقال: لا وجود لهذه الصورة في المتعارضين.
وببيان آخر برهاني نقول: إن المتعارضين لا يخلوان عن حالات