إذ الأسوة في كل شئ بحسب ما له من الحكم، فلا تتحقق الأسوة في المباح بالنسبة إلى الإتيان بفعل الغير إلا بالاعتقاد بالإباحة.
ثم نزيد على ما ذكره العلامة فنقول: إن الآية الكريمة لا دلالة لها على أكثر من رجحان الأسوة وحسنها، فلا نسلم دلالتها على وجوب التأسي. مضافا إلى أن الآية نزلت في واقعة الأحزاب فهي واردة مورد الحث على التأسي به في الصبر على القتال وتحمل مصائب الجهاد في سبيل الله، فلا عموم لها بلزوم التأسي أو حسنه في كل فعل حتى الأفعال العادية. وليس معنى هذا أننا نقول: بأن المورد يقيد المطلق أو يخصص العام، بل إنما نقول: إنه يكون عقبة في إتمام مقدمات الحكمة للتمسك بالإطلاق. فهو يضر بالإطلاق من دون أن يكون له ظهور في التقييد، كما نبهنا على ذلك في أكثر من مناسبة.
والخلاصة: أن دعوى دلالة هذه الآية الكريمة على وجوب فعل ما يفعله النبي مطلقا أو استحبابه مطلقا بالنسبة إلينا بعيدة كل البعد عن التحقيق.
وكذلك دعوى دلالة الآيات الآمرة بإطاعة الرسول أو باتباعه على وجوب كل ما يفعله في حقنا، فإنها أوهن من أن نذكرها لردها.
2 - في حجية فعل المعصوم بالنسبة إلينا. فإنه قد وقع كلام للأصوليين في أن فعله إذا ظهر وجهه أنه على نحو الإباحة أو الوجوب أو الاستحباب مثلا هل هو حجة بالنسبة إلينا؟ أي أنه هل يدل على اشتراكنا معه وتعديه إلينا فيكون مباحا لنا كما كان مباحا له أو واجبا علينا كما كان واجبا عليه... وهكذا؟
ومنشأ الخلاف: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اختص بأحكام لا تتعدى إلى غيره