ولا فرق بين القطع وصاحبيه من هذه الجهة (1) قطعا، وحيث إن هذا الأصل غير مرضي عند هذا المجيب نبني الجواب على أصله، ونقول:
إن الذي استقر عليه رأيه أخيرا ان التعبد بطريق غير علمي إنما هو بجعل حجيته، والحجية المجعولة غير مستتبعة لإنشاء أحكام تكليفية، فلا يلزم اجتماع حكمين مثلين، أو ضدين، بل وعلى القول بأنه لا معنى لجعلها إلا جعل الأحكام وإن لزم اجتماع الحكمين إلا أنهما ليسا بمثلين ولا ضدين، على ما أوضحه في أول مبحث الظن من الكفاية (2)، فراجعه إن شئت.
ولا يخفى عليك - إن تأملت وأنصفت - أن جعل الحجية - على ما أفاده - لا يتوقف على وجود الساتر أصلا، ولا على كون الشيء مجهول الحكم، وإنه يجري في القطع بعينه، فكما يصح جعلها في قبال الظن إذا كان في التعبد به مصلحة غالبة على مفسدة التفويت، وتكون النتيجة صحة الاعتذار إذا أخطأ، وعدم التجري إذا خالف الواقع - وقد أوضحه فيما لم ننقله من كلامه - فليكن القطع كذلك، فوجود المصلحة الغالبة على المفسدة توجب جعل الحجية، والحجية توجب ما ذكره، وقصارى الفرق: ان القطع لا يحتاج إليها في صورة الإصابة، لكونه موجبا للتنجز لو لا المانع، ولا يمنع ذلك من الاحتياج إلى جعل الحجية.
وأما ما كان يقرره سابقا من تصور المراتب الأربعة للحكم (3)، وأن الأمارة إذا خالفت الواقع تكشف عن عدم فعلية الحكم في موردها، فالأمر أوضح، فليكشف عن عدم الفعلية هنا، كما كشفت عنها هناك.
فظهر من جميع ذلك أن الساتر على الواقع ليس هو الذي أوجب جواز جعل الطرق حتى يكون عدمه مانعا، إلا أن يجبر هذا الوجه بما سبق من دعوى