مفادا بالكاشف عن الطلب، لا بد له من بيان زائد على بيان نفس الطلب، والأصل عدمه، واحتمال العقاب على ترك الامتثال به يدفع بقبح العقاب بلا بيان، كما هو المحرر في أصالة البراءة» (1).
وبالجملة ينبغي القطع بأن مثل الشيخ - طاب ثراه - لا يتوقف عن إجراء البراءة، ولا يحكم بلزوم قصد القربة بمجرد احتمال التعبدية، ولا أدري ما ذا يصنع المانع من إجراء البراءة في المقام، والحاكم بالاشتغال فيه إلا مع القطع بعدم بيان أخصية الغرض مع هذه الأوامر الكثيرة المتفرقة في تضاعيف أبواب الفقه التي يحتمل تعبديتها، وصدور بيان الشارع لها، فهل يجازف بالقطع بعدمها بلا دليل ولا برهان، أم يلتزم بالاحتياط؟ واعلم أن القائل بأن الأصل في الأوامر التعبدية لا يقول به، لتقيد المأمور به بخصوص ما يؤتى بداعي الأمر، لأن إطلاق الأمر يشمل حتى ما يؤتى بالدواعي النفسانية قطعا، وذلك لأن تنويع المأمور به إلى نحوي الداعي إنما يكون بعد صدور الأمر، وملاحظة الآمر للإطلاق أو التقييد لا يكون إلا في الأفراد الحاصلة قبل الأمر، ولا يعقل ملاحظتها فيما يحصل بنفس الأمر، إذ لا تنويع قبله، ولا يعقل ملاحظة ما هو متأخر رتبة عن المأمور به، فلا يلاحظ الآمر حين الأمر إلا نفس المأمور به على إطلاقه بعنوان أنه مأمور به، وبعد صدور الأمر يكون جميع الأفراد موردا للأمر.
ولكن بعض مشايخنا (2) كان يقول: للطبيعة المأمور بها فردان: أحدهما غير مسقط للأمر، وهو ما أتي به بالدواعي النفسانية، والآخر مسقط له، وهو ما أتي به بداعي الأمر.