وأقول (1) والأجدر بأن يكون تحقيقا للمقام أن يقال - وهو فذلكة جميع ما تقدم -: إن جهات النسبة مختلفة، ولكل فعل عدة منها، والهيئة الدالة على النسبة لم توضع لواحدة معينة منها، بل هي موضوعة للجميع على سبيل الاشتراك المعنوي، وتعيين تلك الجهة موكولة إلى مناسبة الحكم والموضوع، أو سائر القرائن الخارجية، فربما اتضح وجه النسبة كقولك: خلقه الله، وربما خفي الوجه كقولك: قتله الملك، فإنه يصح السؤال هل قتله بأمره، أو باشر قتله بيده؟ فإذا أمر الطيب المريض بشرب الدواء فشربه وأبل (2) من الداء يصح أن ينسب الشفاء إلى الله تعالى، وإلى الطبيب، وإلى الدواء، فيقال: شفاه الله، وشفاه الطبيب، وشفاه الدواء، والكل نسبة حقيقية على اختلاف جهاتها.
ويؤيد ما نقول ترتب الأثر شرعا وعرفا على كل من السبب والمباشر.
ومن هذا الباب ما يذكره الفقهاء في أبواب الضمان والقصاص وغيرهما من تقديم الأقوى من السبب والمباشر تارة، أو تضمينهما معا تارة أخرى، ولو لا أن النسبة حقيقية لما كان وجه لترتيب الأثر على غير المباشر إذ النسبة المجازية لا يترتب عليها أثر قطعا، فتأمل.
فعلى ما حققناه نسبة الإثبات إلى الربيع حقيقة بلا احتياج إلى هذه الوجوه التي فيها مواقع للنظر لا تخفى على أهله.