لا ينبغي أن يتأمل فيه، بل معلوم بالوجدان ومحسوس بما يقرب من العيان، فإن كل عاقل يقطع بأن اللفظ إذا وضع لمعنى كلي عام لموارد فمن لوازم ذلك الوضع بعد العلم به جواز استعماله في جميع هذه الموارد، ولا يمكن نقض تلك الملازمة بمثل " الفاضل " و " السخي " و " الرحمن " فإنها حقائق في الذات المتصفة بمبادئها مع عدم اطرادها، لعدم جواز استعمال الأولين في الله سبحانه مع وجود المعنى فيه، وعدم جواز استعمال الثالث في غيره تعالى ولو وجد فيه مبدأ الرحمة، لمنع عدم الجواز بالمعنى المتقدم المعتبر في المقام في هذه الأمثلة، وما يوجد فيها من المنع فهو منع شرعي ثابت بالخصوص، أو لعموم توقيفية أسمائه تعالى وهو لا ينافي الجواز اللغوي.
فغاية ما في الباب، إن الأولين لو استعملا فيه تعالى كالأخير لو استعمل في غيره كان الاستعمال محرما عند اجتماع شروط التكليف، ولا يلزم منه كونه مما يعد في نظر أهل اللغة غلطا كما لا يخفى.
وأما النقض " بالقارورة " أيضا من حيث وضعها لمطلق ما يستقر فيه الشئ مع عدم استعمالها إلا في الزجاج، فيدفعه:
أولا: إن عدم الاستعمال فعلا أعم من عدم صحته لغة، والمعتبر هو الثاني والموجود هنا إنما هو الأول، فعدم وقوع الاستعمال لا ينافي صحته لو وقع.
وثانيا: إن الاطراد يتبع وجود الوضع وبقاء أثره وهو الاختصاص، ولا ريب إن الوضع أو أثره قد زال في نحو المثال فيكون خارجا عن محل المقال.
وأما الملازمة بين عدم الاطراد وانتفاء الوضع المعتبر في المجاز، فإنما تتم لو انحصر مصحح الاستعمال في الوضع.
وبعبارة أخرى: لو كان التجوز مما يتبع انتفاء الوضع، ولكن يبطله دليل الخلف لكون العلاقة كالوضع مصححة للاستعمال كما هو المتفق عليه فيما بينهم، المصرح به في كلماتهم، مع اشتراط الإذن في اعتبار العلامة على ما هو المشتهر عندهم، وعليه فالمجاز أيضا مطرد لضرورة العلم بصحة الاستعمال في كل مورد شملته الإذن.