" اكسر القرية " مرادا بها الإبريق، ولا " اذبح القرية " مرادا بها الغراب وتالييه، ولا " اقطع القرية " مرادا بها الشجر، مع وجود صفة المجاورة في الكل، وذلك آية كون استعماله في المورد المذكور على وجه المجاز، وإن الصفة المذكورة إنما لوحظت علاقة والجواز وعدمه المأخوذان فيهما يراد بهما الصحة وعدمها بالمعنى المرادف للغلط، كما هو الضابط الكلي فيهما إذا أضيفا إلى الأمور اللغوية، فيعتبر في علامة الحقيقة صحة الاستعمال في جميع موارد وجود المعنى الموجود في المورد المبحوث عنه، بحيث لو وقع الاستعمال في شيء لا يعد ذلك الاستعمال في نظر أهل اللغة غلطا، وفي علامة المجاز عدم الصحة بهذا المعنى، بحيث لو فرض الاستعمال في الجميع يعد ذلك الاستعمال في نظرهم غلطا، ومنه يعلم أن العبرة في الاطراد وعدمه بما هو كذلك في نظر أهل اللغة العالمين بالأوضاع، فإنه ينهض علامة للجاهل إذا أحرزه بطريق علمي كالاستقراء القطعي، وبذلك يندفع شبهة الدور المتوهم في هذا المقام أيضا.
والعمدة فيه النظر في الملازمة بين العلامتين وذيهما، وهذا مما اختلفت فيه الأنظار، والمعروف بينهم أنه ذات أقوال، ثالثها ثبوت الملازمة في علامة المجاز دون علامة الحقيقة.
وقد يستدل على الملازمة مطلقا: بأن التخلف عن الوضع ممتنع لتضمنه الإذن في الاستعمال بخلاف العلاقة فإن التخلف عنها جائز عقلا بل واقع لغة، وهو ضعيف لأن صحة الاستعمال على ما هو مقتضى التعليل - وهو التحقيق - تدور وجودا وعدما مع الإذن في الاستعمال وجودا وعدما، والعلاقة اللازمة للمجاز لابد وأن تكون مأذونا فيها على ما هو قاعدتهم، وقضية ذلك امتناع التخلف عنها أيضا كما في الوضع.
وأضعف منه بناء المسألة على الاستقراء المنوط بالغالب الذي لا يقدح فيه مخالفة النادر، بتقريب: إن الغالب في الحقائق اطرادها في مواردها والغالب في المجازات عدم الاطراد، وإذا شك في مورد مما يطرد يحكم فيه بالحقيقة إلحاقا له