ويقرب منه في البعد ثاني الاحتمالات، فإن غاية ما يلزم من عدم إمكان الجمع بين المعنيين في الامتثال على تقدير وقوع الاستعمال فيهما مع وروده في حيز التكليف، إنما هو لزوم التكليف بما لا يطاق، وهو قبيح على الحكيم عقلا.
وظاهر أن القبيح العقلي لا ينافي جواز الاستعمال لغة أعني صحته، ولا يوجب كونه غلطا.
ألا ترى أن قول الحكيم: " طر إلى السماء " مثلا لا غلط في تركيبه ولا في شيء من مفرداته، مع أن مضمونه تكليف بما لا يطاق، فتعين كون مرادهم أول المحتملات كما فهمه المحقق المتقدم، ومثل له بالأمر في الوجوب والتهديد.
والوجه في عدم إمكان الجمع بينهما في الإرادة - للزوم اجتماع المتناقضين أو المتضادين -: إن الإيجاب والتحريم متضادان فلا يجتمعان في ضمير متكلم واحد، لوضوح إن المأخوذ في وضع صيغة الأمر ليس مفهوم الإيجاب ومفهوم التحريم بل مصداقهما، وهو الطلب الحتمي الشخصي المنقدح في نفس المتكلم بفعل الشئ، والطلب الحتمي الشخصي المنقدح في نفسه أيضا المتعلق بترك الشئ.
ولا ريب أنه إذا انقدح في نفسه الطلب الحتمي المتعلق بفعل شيء لا ينقدح معه الطلب الحتمي المتعلق بترك ذلك الشئ، وإلا لزم اجتماع المتضادين في نفس المتكلم وهو محال، مضافا إلى أن الإيجاب يتضمن إرادة الفعل والتحريم يتضمن كراهته وهما أيضا متضادتان، وإلى أن الأول يستلزم المحبوبية والثاني يستلزم المبغوضية وهما أيضا متضادتان، وهذا بكل من التقارير الثلاث معنى عدم إمكان الجمع بينهما في الإرادة، ومرجعه إلى عدم إمكان إرادتهما معا، لعدم إمكان اجتماعهما في نفس المتكلم، وهو راجع إلى عدم استعمال اللفظ فيهما معا.
وبالتأمل في ذلك يظهر السر في التقييد والاحتراز، فإن غرضهم بذلك إحراز ما هو موضوع المسألة، وتحقيق ما هو عنوان البحث الذي هو مورد الأقوال الآتية، أعني الاستعمال في معنيين وما زاد، فإنه لا يتحقق إلا فيما أمكن الجمع