ولا ينافيه الإجماع على عدم لزوم الفحص عن قرينة المجاز عند العمل على الحقيقة، لأن هذا الإجماع مقصور على الحقائق التي لم يصادمها علم إجمالي، بأن لا يكون في مقابلة احتمال الحقيقة إلا احتمال المجاز من جهة احتمال وجود القرينة من غير علم إجمالي فحينئذ يجب الأخذ بظاهر الحقيقة من دون توقف إجماعا.
وأما ما صادمه علم إجمالي فلا إجماع على عدم وجوب الفحص، إن لم ندع الإجماع على وجوبه لرفع أثر العلم الإجمالي. فليتدبر.
رابعها: إن أصالة الحقيقة بمعنى ظهورها يقال له الظهور الأولي، قبالا للظهور الثانوي بالمعنى الآتي.
وقد عرفت في تضاعيف ما تقدم: إنه إنما يحصل في اللفظ حيث لم يقم قرينة معتبرة في نظر العرف بخلاف الظاهر.
والمراد بها ما يعول عليه عرفا في الخروج عن الظاهر لإفادته الظن شخصا أو نوعا بإرادة خلافه، وإذا قام مع اللفظ نحو هذه القرينة انقلب الظهور الأولي بالظهور الثانوي.
وحينئذ يتعين العمل بالظهور الثانوي ولا أثر للظهور الأولي، لا بمعنى أنه قائم ولا يعمل به، بل بمعنى ارتفاعه بارتفاع موضوعه، وهو التجرد عن نحو القرينة المفروضة.
ومن هنا يعلم أنه لا يقع تعارض بين الظهور الأولي والظهور الثانوي، لورود الثاني على الأول دائما، فالظهور الثانوي حيثما كان قائما لا مقابل له في طرف الحقيقة ليعارضه، على حد ما هو الحال في الأصل الثانوي الوارد على الأصل الأولي دائما.
نعم إنما يحصل التعارض بين الظهورين الأوليين كما في قوله تعالى:
﴿أوفوا بالعقود﴾ (1) مثلا، فإن الأمر ظاهر في الوجوب، والعام في العموم الشامل للعقود الجائزة.