المقام الثاني: في مطلق الاستعمال الذي أختلف في حاله من حيث دلالته على الحقيقة وظهوره فيها وعدمه، وهذا هو محل التشاجر فيما بين السيد وأحزابه والآخرين.
ولا ريب أن محل النزاع ما خلا عن النص والعلامة وغيرهما مما تقدم من الطرق، إذ مع وجود بعض ما ذكر يتعين الالتزام بموجبه من حقيقة أو مجاز.
وقد يتوهم إنه بهذا الاعتبار مما لا محل له ولا يترتب عليه أثر، لأنهم قد ذكروا إن من علامات الحقيقة والمجاز تبادر المعنى وعدمه، أو عدم تبادر غير المعنى وتبادره، وصحة السلب وعدمها، وهذه العلامات لا يخلو عنها شيء من الألفاظ، لأن الحصر فيها دائر بين النفي والإثبات، وذلك لأنه إما أن يتبادر المعنى أو لا يتبادر وإما أن لا يتبادر غير المعنى أو يتبادر، وإما أن لا يصح سلب المعنى أو يصح، فإن كان الأول وجب الحكم بالحقيقة لوجود علامتها وإلا فبالمجاز.
وحينئذ فلا يبقى لهذا البحث موضوع يتنازع فيه لانتفاء الواسطة بين النفي والإثبات.
ولا يخفى ما فيه من الغفلة الواضحة عن حقيقة الحال في العلامات المذكورة، فإن وجود شيء منها في موضوع البحث بحسب الواقع ونفس الأمر بالقياس إلى أهل التخاطب المتحقق فيما بينهم الاستعمال المتنازع فيه أمر مسلم لا يمكن الاسترابة فيه، غير أنها لا تنهض علامات للجاهل على هذا الوجه، بل هي إنما تنهض علامات له إذا علم بها بطريق له يوجب انكشافها في نظره حسبما عرفت.
والعمدة فيه - على ما بيناه - مراجعة موارد الاستعمالات الدائرة فيما بين أهل اللغة والفحص في استعمالاتهم.
ولا ريب أنه ربما لا يتمكن من الفحص ومع تمكنه منه ربما لا يفيده شيئا مما ذكر، على معنى أنه بعد الفحص لا يتمكن من إحراز شيء مما هو متحقق بحسب الواقع من الأمر الدائر بين النفي والإثبات.
وربما يتكاسل نفسه عن تحمل كلفة الفحص، فإذا ثبت أن مطلق الاستعمال