- كما مرت الإشارة إليه - بخلاف تعلقه بالزمان الغير الحاصل، لأنه لا يقبل وقوعه في حيز الطلب ولو شأنا. وحينئذ فالفعل الواقع في حال الغفلة ليس من المأمور به - كفعل الساهي وشبهه - فلا يجدي ولا يغني عن نفس المطلوب بعد فرض تنجزه على المكلف، إذ ليس الإتيان به إتيانا بالواجب بعينه. إنما الواجب في الواقع إيقاع الفعل على سبيل العمد والشعور، وهو الحكم الشأني الثابت في الواقع عند المخطئة.
فظهر مما ذكر أن الأصل في الأوامر اعتبار إمكان القصد والشعور إلى أداء المأمور به حال الإتيان به، إذ الغافل عن الأمر حين الفعل لا يتعلق به التكليف، بل قد عرفت إمكان القول بانصرافها إلى ما قصد به ذلك فعلا، فإن الأمر يستدعي الامتثال وينصرف إليه، فلا يكون الواجب إلا ما قصد به أداء المأمور به بالفعل.
نعم إطلاق الأمر يقتضي الاكتفاء بمطلق القصد إليه وإن انضم إليه من سائر القصود ما لا يمنع من حصوله ولو كان من الرياء، إلا أن يتمسك في المنع منه بعموم ما دل على اشتراط الإخلاص والمنع من التشريك في العمل، فيكون ذلك قاعدة ثانوية مستندة إلى عمومات الكتاب والسنة كقوله تعالى * (وما امروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) * (1) والأخبار الكثيرة الدالة عليه، فيكون الأصل في الأوامر أن يكون متعلقها من العبادة بالمعنى الأخص حتى يثبت خلافه، وذلك أمر آخر مبني على تمامية الأدلة الخاصة الدالة عليه وهو من القواعد الفقهية، وإنما غرض الأصولي هو البحث عن الحكم الكلي مع قطع النظر عن الأدلة الخاصة.
ويمكن التمسك فيه بعدم الفصل، لأنه إذا اقتضى إطلاق الأمر قصد الامتثال بأداء المطلوب تعين اشتراطه بالإخلاص والخلوص عن شوائب الرياء وإن لم يمنع منه سائر الضمائم على بعض الوجوه، فتأمل.
فتلخص مما قررناه أن في المقام أمورا خمسة: إمكان القصد إلى أداء الفعل