لا حرج فيه على العباد، فهو ناظر إلى الأحكام المجعولة التي يعبر عن مجموعها بالدين، وليست الخطابات المثبتة لها ناظرة إلى الدليل المذكور وإن كانت شاملة لما فيه الحرج مقتضية بعمومها لتخصيص نفي الحرج بغير مواردها من حيث استلزام حملها على العموم لذلك لا من حيث النظر إليه والتفسير له، وبه يظهر الفرق بين الدليلين. وكذا قوله تعالى * (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) * (1) لما فيه من الإشارة إلى المجعولات السابقة أو اللاحقة، وأنه ليس في شئ منها ما يفضي إلى الحرج. وكذا نفي إرادة العسر في الآية الأخرى أيضا ناظر إلى ما يريده من الأحكام، وأن المراد منها اليسر دون العسر. وهذا هو الحال في تعارض عمومي الوارد والمورد عليه في بعض المقامات.
وتفصيل الكلام في ذلك مذكور في محله، وسيأتي إن شاء الله تعالى.
ومما يشهد بتقديم القاعدة المذكورة على عمومات الأحكام ما جاء من الأخبار في التمسك بها في مقابل بعض العمومات، كتعليل المسح على نحو الجبائر بنفي الحرج مع عموم ما دل على وجوب غسل البشرة أو المسح عليها، وكان المراد الاستناد إليها في سقوط غسل البشرة أو مسحها لا في إيجاب المسح على الجبيرة. ونحوه ما مر في الماء القليل وغيره.
وبالجملة فالأصل سقوط التكليف بحصول الحرج في المكلف به إلا ما دل الدليل على إثباته بخصوصه كالجهاد وشبهه.
ودعوى قبح ورود التخصيص على تلك الأدلة على نحو التخصيص في مثل قوله تعالى * (وما الله يريد ظلما للعباد) * (2) ممنوعة، إذ ليست بينة ولا مبينة والمثال من مستقلات العقل فلا يقبل التخصيص بخلاف نفي الحرج كما عرفت، ولا يأبى عن ذلك وروده في مقام الامتنان لظهوره بوضع الحرج عن معظم الأحكام.
وقد يقال: إن ما ثبت في الشرع من الجهاد وشبهه فإنما وقع بصورة المبايعة