وأما الطلب الاستحبابي فيمكن الفرق فيه بين مقدمة العلم ومقدمة الوجود نظرا إلى اختلافهما في الصدق العرفي على نحو ما عرفت في المسألة السابقة.
ومنها: أن الأدلة المذكورة كما تقضي بنفي الحرج في التكاليف التعيينية فهل يجري في التخييرية الشرعية أو العقلية والكفائية والموسعة أيضا - بحيث يكون الحرج في إحدى الخصال أو أحد الأفراد أو بعض المكلفين أو شئ من أجزاء الوقت قاضيا بخروج ما فيه الحرج عن حيز التكليف واختصاصه بالموارد التي لا مشقة فيها، فلا يكون الإتيان بالفرد المتعسر بعد تحمل المشقة في فعله قاضيا بسقوط التكليف من أصله نظرا إلى عدم الإتيان بنفس المأمور به إلا إذا قام دليل من خارج على سقوط التكليف به - أو لا يكون كذلك؟ وجهان: من إطلاق نفي الجعل والإرادة للحرج والعسر فلا يقع في حيز التكليف لاستلزامه للإرادة والجعل، ومن أن تجويز الترك واختيار البدل كاف في رفع المشقة عن العبد فلا يكون في ذلك حرج عليه.
ويمكن الفرق في ذلك بين التخيير الشرعي والعقلي، فإن الطلب متى تعلق بالفرد المتعسر بخصوصه صدق عليه جعل الحرج وإرادة العسر وإن لم يرد على العبد مشقة في ذلك نظير ما عرفت في الاستحباب والكراهة، بل هو أولى منهما نظرا إلى جواز الترك فيهما لا إلى بدل بخلاف المقام. وأما التخيير العقلي الحاصل بين أفراد الطبيعة المأمور بها فالطلب إنما تعلق بالكلي، فمتى كان في أفراده ما لا حرج في فعله لم يكن في الأمر به إرادة للعسر ولا جعل للحرج نظرا إلى تحققه في ضمن الفرد المفروض، والحرج الحاصل في خصوصية بعض الأفراد ليس بواقع في حيز الطلب فلا ينفيه الدليل ومنه الموسع، فإن الطلب فيه إنما تعلق بالفعل المقيد بوقوعه في الوقت، فمتى تيسر الإتيان به في بعض أجزاء الوقت صدق انتفاء الحرج في ذلك التكليف. فمن تحمل الحرج في فعله في الوقت الآخر كان ذلك أداء للمأمور وخروجا عن عهدة التكليف به، من حيث كون فعله مصداقا له وفردا من أفراده وإن لم يكن الخصوصية الحاصلة فيه مطلوبة للأمر، لعدم تعلق