الواقعة في الشرع من الحج والجهاد والزكاة وتحمل العاقلة للدية ونحوها بناء على أن العسر والحرج في الأمور مما يختلف باختلاف العوارض الخارجية، فقد يصير الحرج باعتبارها سهلا وسعة.
فمنها: جريان العادة بارتكاب أمثالها من دون عوض وتكليف كالمحاربة للحمية أو بعوض يسير. فما جرت العادة بالإتيان بمثله والمسامحة فيه وإن كان عظيما في نفسه - كبذل النفس والمال - ليس من الحرج في شئ.
نعم تعذيب النفس وتحريم المباحات والمنع عن جميع المشتهيات أو نوع منها على الدوام على ما كانت عليه طريقة القسيسين والرهبان حرج وضيق، ومثله منتف في الشرع.
ومنها: مقابلته بالعوض الكثير، فإنا نرى العقلاء يستصعبون الأعمال اليسيرة عند خلوها عن الأعواض ويعدون أعظم منها سهلا يسيرا بملاحظة كثرة أعواضها ونفاستها. ومعلوم أن ما كلف الله سبحانه به من الأعمال الشاقة يقابله ما لا يحصى من الأجر فلا يكون شئ منها حرجا، وما لم يرض به بأدنى مشقة فإنه من الأمور التي لا يقابلها أجر ولا يستحق بفعلها عوض.
ومنها: اندفاع المضار العظيمة بفعله ألا ترى أن الأدوية المرة يصعب شربها من دون حاجة ويطلب ذلك لدفع الأمراض المزمنة.
وأنت خبير بأن شيئا من ذلك لا أثر له في رفع المشقة الحاصلة في الأعمال الشاقة، وإنما يقضي بتحملها طلبا لما هو أعظم منها أو أخذا بأقل المحذورين وأهون المشقتين.
نعم ربما تقضي العادة بتخفيف المشقة الحاصلة فيها لصيرورتها كالطبيعة الثانية، وقد لا يكون في الفعل مشقة بدنية ويكون فيه مشقة قلبية يصعب تحملها على النفس تنشأ من فوات المحبوب أو وقوع المكروه كما في الضرر المالي ويكون العلم بفوائدها وأفعالها، كما لا يشق بذل الأموال العظيمة في مقابلة الأعواض المقصودة بخلاف الضرر اليسير الذي لا يقابل بعوض، وذلك أمر آخر