كون نسبتها مع جميع ما يعارضها من العمومات المثبتة للتكاليف من القسم الثاني، فلو لم يجز التمسك بها بمجردها في تلك الموارد اختص بما لا دليل عليه. وحينئذ ففي الأصول العملية ما يغني عن التمسك بها، بل الصواب تقديمها على العمومات المذكورة مطلقا، كما يظهر من طريقة الأصحاب في الاستدلال بها على أحكام مواردها من غير تأمل منهم في ذلك من الجهة المذكورة.
نعم إن قام الدليل على إثبات ما فيه الحرج بحيث كان أخص بحسب المورد من تلك الأدلة مطلقا قدم عليها لكونه إثباتا للحرج الخاص فيخص به الدليل العام بخلاف العامين من وجه، إذ الأدلة المذكورة حاكمة على أدلة الأحكام مسبوقة بها ناظرة إليها، فكأنها مفسرة لها مبينة لمواردها. ومن المعلوم أن أحد الدليلين متى جرى مجرى التفسير والبيان لموارد الآخر قدم عليه، إذ ليس المفهوم منهما إذن إلا ذلك.
ألا ترى أنه لو أمر المولى عبده بإكرام طوائف من الناس فيهم العدول والفساق - كالفقهاء، والحكماء، والجيران، والأرحام إلى غير ذلك - ثم قال: ما أوجبت عليك إكرام الفاسق لم يعقل من الخطابين في العرف والعادة إلا اخراج الفساق من المكرمين في الخطابات السابقة فيرجع الثاني إلى تفسير الأول، فكأنه قال: أردت من الفقهاء والحكماء وسائر من أمرت بإكرامهم سوى الفساق منهم، بخلاف ما لو قال: لا تكرم الفساق، وكذا الحال فيما نحن فيه. ففرق بين قول القائل ليس عليك حرج وقوله: ما جعلت عليك فيما أمرتك به من حرج أو ما أريد بك العسر فيما أكلفك، إذ الأول لا نظر له إلى التكاليف السابقة والثاني بيان لما تقدمه أو تأخره من الخطابات التي تعم موارد الحرج، أو إخبار باختصاصها بغيرها مسوق لإظهار الامتنان بعدم تعلقها بها. فقوله سبحانه: * (وما جعل عليكم في الدين من حرج) * (1) بيان لاختصاص المجعولات الشرعية والتكاليف الدينية بما