غير ما نحن فيه. على أن الوجه المذكور يؤدي إلى إبطال التمسك بتلك القاعدة الشريفة في نفي شئ من الحرج عن الدين، لأن وقوعه في الدين يقتضي إذن انتفاء موضوعه لما يترتب على الدين من الفوائد العظيمة ودفع المضار المتصورة، فلا يمكن الحكم حينئذ بارتفاع شئ من التكاليف الشاقة إلا بعد إثبات خلوه عن الفائدة، ولا يكون ذلك إلا بعد تحقق خروجه عن الدين، فالتمسك به إذن يشتمل على دور ظاهر. وحمله على الإخبار بأن ليس في الدين تكليف شاق بغير فائدة لا يرجع إلى معنى محصل، إذ لا فرق فيه بين الشاق وغيره.
ومنهم من زعم أن المراد بنفي العسر والحرج نفي ما هو زائد على ما هو لازم لطبائع التكاليف الثابتة بالنسبة إلى طاقة أوساط الناس والقدر الذي هو معيار التكاليف، بل هي منفية من الأصل إلا فيما ثبت وبقدر ما ثبت، فالغرض إن الله سبحانه وتعالى لا يريد بعباده العسر والحرج والضرر إلا من جهة التكاليف الثابتة بحسب أحوال المتعارف في الأوساط من الناس وهم الأغلبون، فالباقي منفي سواء لم يثبت أصله أصلا أو ثبت ولكن على نهج لا يستلزم هذه الزيادة. وهذا في الوهن نظير سابقه لكونه تقييدا لتلك القاعدة بما يخرجه عن الفائدة من غير علة، إذ التكليف المفروض إن كان عليه دليل في الشرع لم يكن حينئذ منفيا، وإلا كان مدفوعا بالأصل، ولولا ذلك لتوقف التمسك بها على إثبات عدم وروده في الشرع، فلو توقف عليها لزم ما ذكر من الدور، هذا إذا قيد بغير الثابت من الأحكام فيكون من أدلة أصل البراءة. ولو قيد بغير الواقع من التكاليف كان من اللغو الذي لا يرجع إلى محصل، فكأنه قيل ما جعل زيادة على ما جعل وهو كما ترى.
ومنهم من زعم أن أدلة نفي الحرج إطلاقات وعمومات لا بد من ملاحظة نسبتها مع أدلة التكاليف الشرعية فيجب الأخذ بقواعد المعارضة، فإن كانت النسبة بين الدليلين من العموم المطلق لزم تقديم الخاص، وإن كان ذلك من العامين من وجه تعين الرجوع إلى المرجحات الخارجية، ومع التعادل فعلى الخلاف فيه.
وهذا الوجه أيضا يقتضي قلة الفائدة في تمهيد تلك القاعدة الشريفة، لوضوح