وهو واضح الفساد، إذ الحرج موضوع للحكم الشرعي، ومرجعه كسائر الموضوعات إلى اللغة والعرف. ومن البين عدم تحققه في معظم التكاليف الثابتة، إذ ليس في مطلق الأفعال الاختيارية معنى الحرج، فكيف يعقل ثبوته فيها عند وقوعها في حيز التكليف، وإنما يتحقق في بعضها فيدل ذلك على عدم تعلق التكليف به، على أن المعلوم من سيرة الفقهاء وطريقتهم التمسك بنفي الحرج في أبواب الفقه، كما ورد ذلك عن أئمة الهدى (عليهم السلام) في مقامات كثيرة مرت الإشارة إلى جملة منها، ولو كان مجملا امتنع الاستناد إليه في شئ من الموارد.
وأما العسر فقد يقال بكونه أعم من الحرج مطلقا، فقد حكى في النهاية قولا بأن الحرج أضيق الضيق.
وعن علي بن إبراهيم: أن الحرج الذي لا مدخل له والضيق ما يكون له مدخل له (1).
وفي المجمع فسر الحرج والضيق بالتكليف بما لا طاقة للعباد به وما يعجزون عنه. لكن قد مر في الأخبار تفسيره بمطلق الضيق، وبه فسر في الصحاح والقاموس وغيرهما، يقال مكان حرج أي: ضيق، وفي الدعاء حرج المسالك، فيوافق معنى العسر، إذ كل متعسر فلا يخلو من ضيق. ومع ذلك فالظاهر أن العسر أعم من الحرج. فصيام المسافر لا يخلو من عسر كما يظهر من الآية وليس من الحرج في الأغلب. فالصواب التمسك بما جاء في نفي الأمرين جميعا، وعدم الاقتصار على نفي الحرج خاصة. وحينئذ فما ثبت من العسر في الأحكام الشرعية خارج عن العموم بالدليل ولا يلزم منه التخصيص بالأكثر، ولو سلم فإما أن يحمل العسر على الحرج لكونه المتيقن أو يقيد بما لا يتحمل مثله في العادات، كما يظهر من التقييد به في جملة من العبارات فتأمل.
ومنهم من أنكر موضوع الحرج والمشقة في شئ من التكاليف الشديدة