التكليف، ونقصانها قاض بحصول التخفيف، لاندراج الحرج النوعي والشخصي معا في الأدلة بغير منافاة بينهما، فتأمل.
ومنها: أن الأدلة المذكورة كما تقضي بنفي التكاليف الحتمية المشتملة على الحرج والمشقة من الإيجابية والتحريمية فهل يجري في موارد الاستحباب والكراهة أيضا؟ وجهان: من أن أحد الأمرين إذا تعلق بما فيه الحرج استلزم إرادة العسر، إذ الإرادة أعم من الحتم والإلزام وغيره بل يقتضي جعل الحرج في الدين لاندراجهما في الدين أيضا، ومن أن موضوع الحرج ينتفي بتجويز الترك وعدم إلزام المكلف بالامتثال فلا يصدق إيقاع المكلف في المشقة.
والوجه أن يقال: إن الحرج إن فرض حاصلا في متعلق الخطاب الواحد قضى عموم دليل نفي الحرج بنفيه، وإن كان حاصلا في الإكثار من العمل بمصاديق الماهيات المطلوبة أو في العمل بخطابات عديدة دون أحدها لم يمنع العمل بأحدها من رجحان العمل بالباقي وإن أوجب الوقوع في غاية الحرج والمشقة.
ولذا كان أئمة الهدى (عليهم السلام) وأصحابهم الأبرار يتحملون المشاق العظيمة في طاعة الله سبحانه، وذلك أن التكليف المتعلق بالماهية المطلوبة كقوله (عليه السلام): الصلاة خير موضوع فمن شاء استقل ومن شاء استكثر (1)، ليس من إرادة العسر ولا من جعل الحرج في الدين. وكذا كل واحد من الخطابات المتعلقة بالأدعية والأذكار والصلوات وغيرها لا يصدق عليه ذلك وإن كان العمل بمجموعها مشقة عظيمة بخلاف ما إذا تعلق الطلب الواحد بمجموع تلك الأفعال، فإن جعل ما فيه الحرج في الدين وتعلق الطلب به يقتضي إرادة العسر ولو على سبيل الاستحباب، فإن الإذن في الترك وإن كان رافعا للحرج عن العبد لكنه لا يمنع من صدق طلب المشقة وإرادة العسر، لشمولها للطلب الاستحبابي والنهي التنزيهي أيضا.
ومن هنا قيل بعدم مطلوبية الاحتياط في الطهارة والنجاسة والحلية والحرمة، إلا في المقامات الخاصة وعلى بعض الوجوه المخصوصة.