وقد يورد عليه أيضا بإمكان حمله على العهد، والمنع من انتفاء موجبه، لوجود القرينة بملاحظة المحمول أو المحمول عليه، وخصوصا مع تقديمه في الذكر، كقولك: زيد العالم، وهو كما ترى، إذ لا بد في القضية من تحصيل معنى الطرفين وتعقله، ثم إيقاع النسبة بينهما، فلا يجوز أن يكون تحصيل المعنى المحكوم به وتعقله بمعونة إسناده إلى المحكوم عليه بعد ذكره، أو بالعكس على ما توهمه المعترض، بخلاف ما إذا ظهر العهد من قرينة أخرى، كأن تقول: أكرمت عالما، والعالم زيد، أو زيد العالم.
الرابع: أن اللام حقيقة في تعريف الجنس، والمفرد المحلى ظاهر في الطبيعة الجنسية، فإن وقع مبتدأ في الكلام دل على كونه مصداقا للمحمول، كما تقول:
الكرم في العرب، فمعناه أن جنس الكرم مصداق للوصف الثابت في العرب فلا يعم الغير. وإن كان المحمول من الأعلام لزم توجيهه، لعدم جواز حمل العلم الجزئي على غيره. إما بتأويل الاسم بالمسمى فيدل على الحصر كما ذكر، أو بجعله من باب حمل أحد المترادفين على الآخر، كما تقول: الليث الأسد، وزيد أبو عبد الله، فدلالته على الحصر أظهر، لأنه يفيد اتحاده معه في الماهية والوجود في الذهن والخارج، فيكون الغرض من الحمل المبالغة. وإن وقع خبرا مقدما أو مؤخرا دل حمله على موضوعه على اتحاده معه في الخارج فلا يتجاوزه.
وأورد عليه أولا بالنقض بالمنكر، فإنه لو تم الوجه المذكور لجرى في المحمول المنكر أيضا، كقولك: زيد عالم، وعمرو صديق، وبكر أمير، وهكذا فيكون مفاد الحمل اتحاده معه في الخارج، فلا يصدق إلا حيث يصدق فيكون منحصرا فيه، وهو خلاف الضرورة.
وأجيب عنه تارة: بأن المحمول فيه ليس عين الجنس، بل هو فرد من أفراده فلا يجري فيه ما ذكر. وأخرى بالتزام الدلالة فيه أيضا من حيث نفسه، إلا أن كثرة استعمال المنكر في الفرد وندرة إرادة الحصر منه مما يوهن الدلالة فيه، بل يقوي خلاف ذلك، بخلاف المعرف باللام إذ الأمر فيه بالعكس، لشيوع استعماله في الحصر فيقوى مدلوله.